IMLebanon

الأهمّ انتخاب رئيس

استقبلنا يوم وصولنا إلى باريس في الهجرة الأولى إضرابان وتظاهرتان دفعة واحدة. وعلى ضفّتي نهر السّيْن، من السان جرمان إلى الشانزيليزيه: تظاهرة احتجاجاً على رفع سعر الكرواسون سنتيمَين. وأخرى تطالب بخفض ساعات العمل، المخفَّضة قبل ستة أشهر، ساعة واحدة. أما الإضرابان، فكانا على ما أذكر ضد شركة لصنع السيارات، وأخرى للخشب.

عند المساء كانت باريس تتهيَّأ للسهر والانتشار بين المطاعم والملاهي والمقاهي.

إنما هذا لم يمنع أننا صحَونا في اليوم التالي على تظاهرات وإضرابات مطلبيَّة جديدة، كما في الأيام الثاني والثالث والرابع… وعلى امتداد الأيام والأسابيع والأشهر.

لكن اللافت والمثير للاهتمام أننا لم نسمع، ولم نقرأ، ولم نصادف أيَّ حادث. أيَّ غلطة مسلكيَّة. أيّ تصرّف غير لائق.

وبالطبع والتأكيد لم تتحدَّث صحيفة أو إذاعة أو تلفاز عن ضربة كفِّ عابرة، أو ضربة حجر في اتجاه متجَر، أو اعتداء على عمود كهرباء، أو محاولة لقطع طريق، أو التعرُّض، لعابر سبيل…

طبعاً من الظلم مقارنة بيروت بباريس، وخصوصاً بعد حرب بوسطة عين الرمانة وما تلاها، ولا مقارنة اللبنانيين بالفرنسيين. أين ذاك الشعب الذي عنده فرنسا قبل كلّ شيء في هذا الوجود، من هذه الشعوب التي تعامل لبنان على أنه مصدر ارتزاق، منفعة، ضربة كُمّ، تمريقة معاملة “ملغومة”…

الإضرابات، والاحتجاجات، والمطالبات بالحقوق والتحسينات والتغييرات، ومحاربة الفساد والفاسدين، كل الناس معها ومن دون أيّ سؤال أو تحفُّظ. وخصوصاً بعدما سُيِّبت الدولة، وفُرِّغت، وأضحت تحت رحمة مَنْ لا يعترفون بالرحمة.

إلا أنه لا بدَّ من الإشارة هنا إلى أن بعض التحرُّكات، بعض التظاهرات، بعض التجمُّعات تعرَّضت على ما يبدو للاختراق من أناس وفئات وأهدافٍ مغايرة لكل ما من أجله قصَدَ الناس الساحات والشوارع للتعبير عن الغضب والاحتجاج والرفض.

والناس قلوبهم ملآنة من الإهمال والتسيّب والفلتان والاستلشاق بحياتهم وأبواب رزقهم ومآل لبنانهم الذي بدأت الهجرات الجماعيَّة تفرِّغه من الأجيال الجديدة التي كان من المتوقّع أو المفترض أن تتولّى هي لا “الإهمال” عملية التغيير والإصلاح والنفضة التنظيفيَّة الشاملة.

لم يفُت الأوان بعد. ولا تزال عاطفة الأكثريَّة مع الأصوات المحتجّة بأعلى نبرتها. ومع التظاهر للتعبير عمّا يجول في خواطر المواطنين المغلوبين على أمرهم. وما أكثرهم. وما أكثر مؤيِّدي الحركات الاعتراضية، مع تمنّ أو تمنِّيين: المحافظة على سلمية التظاهر والتجمع والتصرف و…

ثم، وهنا الأهم، ليكن انتخاب رئيس جديد يملأ هذا الفراغ، ويُعيد إلى الدولة وجودها ودورها، هو الهدف الأول والدائم إلى أن تتحقق هذه الأمنية. الأمور الأخرى، لاحقون عليها. ونحن معكم.