عرف لبنان نوعين من العهود الرئاسية. النوع الأول ينطبق عليه القول المأثور: كما تكونون يولّى عليكم، وهو ما ينطبق على غالبية من العهود السابقة. النوع الثاني ينطبق عليه القول المأثور: الناس على دين ملوكهم، أي نهج حكامهم، وهو الاستثناء والأكثر ندرة. وهذا هو الفارق بين عهد يعمّ فيه الفساد من القاعدة الى القمة وبالعكس، ويتولى الحكم في المجتمع الفاسد كبير الفاسدين… ومجتمع فاسد يقتحم قمة الحكم فيه كبير المصلحين، فتتهيّب الناس وتتعفّف أو تردع نفسها عن التورّط بالفساد اما تخوفا واما تحوطا…
بزوغ العهد الجديد في لبنان بعد مخاض عسير وطويل، كان من النوع الثاني، وانطوى بمجرد شروقه على حثّ ضمني للناس، دون دعوة صريحة، الى انخراط المجتمع في مسار قيم العهد الجديد في التغيير والاصلاح! أي أن يكونوا على نهج الحاكم الآتي اليهم لتغيير واقعهم من الفساد الى الاصلاح. وما طرأ على الواقع السياسي في لبنان مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لم يكن نوعا لا من السحر ولا من الشعوذة، بل ظاهرة طبيعية حوّلت الطبقة السياسية نفسها، من التعاطي السلبي مع الحاكم السابق وبين مكوناتها مع بعضها بعضا، الى التعاطي الايجابي، والتسابق الى التعاون واظهار النيّات الحسنة…
الحكم مثل السمك يفسد من رأسه. وفي زمن الفساد البائد كان تشكيل الحكومات يقاس بأسابيع كثيرة وبالشهور… ولكن ما تغيّر اليوم هو الرأس، وهو أمر يكفي مرحليا لاحداث تغيير فوري، من علاماته التشكيل الحكومي في وقت قصير، على الرغم من ان المكونات لا تزال هي ذاتها، ولم تتغيّر في العمق، وان وضعت نفسها على مسار التأقلم والتغيير. ومع ذلك الاعلان عن تشكيل الحكومة خلال أيام قليلة، ليس هو التحدّي الحقيقي، بل هو في اقرار قانون جديد للانتخابات من وحي ما كان ينادي به الرئيس قبل وصوله الى قصر بعبدا!… وأهم من الحكومة هو ما بعدها!…