لعلّ أهم ما في مصالحة بكركي أنها ليست إتفاقاً سياسياً. هذا ما قاله أمس طرفاها سليمان فرنجية وسمير جعجع، وما تفهمه البطريرك الراعي.
أن تنطلق المصالحة من إستمرار الإختلاف في السياسة هو في مصلحتها وعلامة قوة لها، وليس مؤشر ضعف على الإطلاق.
والعكس صحيح. والمثال الأبرز: إن أكثر ما جعل مصالحة معراب متعثرة، لأن الإتفاق بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية كان على تفاصيل سياسية سرعان ما تبين أن الشيطان دخل فيها وأدى الى نتائج عكسية… وإن كان الحزبان المسيحيان الأكبران يؤكدان على الفصل الجدّي بين الجانبين السياسي والإنساني. فالجانب السياسي (البنود المتفق عليها) يدخل في خانة «المتحوّل»، والجانب الإنساني (المصالحة) يدخل في خانة «الثابت»، طبعاً هذا لا يعني أن الطرفين لن يلتقيا في السياسة… فهذا أمر سابق لأوانه».
كتبنا قبل أيام، إننا مع المصالحة بين القوات والمردة من دون تحفظ، واليوم نحن أكثر إقتناعاً بهذا الرأي وإن كنا نلتقي مع الذين يقولون إنه لولا مواقف الوزير جبران باسيل لما كانت هذه المصالحة قد تمّت. وإذا كان هذا صحيحاً (ونحن نرى فيه الكثير من الصحّة) فيجب توجيه الشكر الى وزير الخارجية كونه دفع بهذه المصالحة قدماً بعدما اعتبر الطرفان أنهما مدعوان الى توافق ما لمواجهة صعود نجمه.
وفي تقديرنا أنّ الخطوتين اللتين تمّتا في هذه المرحلة على صعيد الساحة المسيحية (في معراب سابقاً ثم في بكركي أمس) تشكلان نموذجاً يؤمل أن يقتدي به سائر الأطراف المحلية التي توجد بينها خلافات جدية، ومهما كانت كبيرة فهي تظل أصغر من أن تقارن بما جرى بين أطراف المصالحتين المسيحيتين.
ونأمل أنه آن الأوان كي تنتظم الحياة السياسية في لبنان على قاعدة المنافسة والخصومة السياسة وليس على قاعدة العداوات والتناحرات والإقتتال.
وفي هذا السياق نرى أن للإعلام عموماً (بأنواعه كافة) كثيراً من المسؤولية في دعم المصالحتين والحضّ على المزيد من المصالحات… فإذا كنا نريد، فعلاً، أن نبني وطناً لأبنائنا والأحفاد فلا يجوز أن نبنيه على الأحقاد والضغائن والكراهية.
لقد كان المشهد في بكركي، مساء أمس، رائعاً بكل ما للكلمة من معنى. وإننا لعلى ثقة كبيرة بأنّ الزعيمين سمير جعجع وسليمان فرنجية سيعملان على تغذية هذه المصالحة يومياً. ولقد علّمتنا التجارب أن المصالحات (خصوصاً مثل تلك التي تمّت على تراكم مؤلم من تداعيات الخلاف والإقتتال) نقول إن المصالحات تشبه الأزهار والنباتات الريّانة: إذا لم تنعشها يومياً، وباستمرار، فإنها تؤول الى الذبول.
مرة ثانية نود أن نبارك للوزير سليمان فرنجية وللدكتور سمير جعجع ولفريقي العمل، ونشدّ على الأيدي، وندعو لغبطة السيد البطريرك بطول العمر، وبدعم المزيد من هذه المبادرات الطيبة في الصرح البطريركي الذي يليق بها ويعطيها وهجاً وزخماً.
إن المصالحة يوم أمس جاءت بمثابة نسمة منعشة وسط صحراء قاحلة تفتقر الى المودة والوئام و.. مصلحة الوطن.