Site icon IMLebanon

أنجح فاشل ممكن

 

هناك عادة سياسية محدّدة لا تلمع عند صاحبها إلا في الوقت الغلط. واللمعان المقصود ليس سوى جرعة إضافية على المعدّل العام، من أفعال التوتير والنرفزة والادعاءات والصيحات الديكية التي تقول في خلاصتها إن شخصه والمصير العام صنوان لا ينفصمان ولا ينفصلان.. وإن الناس عموماً متآلفون مع الغَشَيان ولا يعرفون أين هي مصلحتهم الفضلى والعليا، وهم يحتاجون، بالتالي، وعلى الدوام، إليه هو الخلاصي المسكون بالرسالة الإصلاحية الخالدة!

حالة إعجازية! فيها إبداع استثنائي في سوء الحساب والتقدير. وريادة في بناء كل مسبّبات الفشل، بحيث إن توليفة «أنجح فاشل ممكن» لا يمكن إلا أن تركب في مكانها عند ذلك المسترئس اللجوج، وبوجَاهة منظورة عن بُعد:

في الوقت الذي كانت الحرب الباردة (برمّتها) تنهار في مطلع تسعينات القرن الماضي، كان الخلاصي الرؤيوي يضع نفسه على النقيض من القوة المنتصرة ويرسل مناصريه للتظاهر الاستفزازي أمام سفارتها! وفيما كانت مقوّمات الحصار تطبق على صدام حسين بعد غزوه الكارثي للكويت، كانت مجسّات الاستشراف عنده تأخذه إلى الجلوس في حضنه وتبني خياراته بعد أخذ ماله وسلاحه! وفيما كانت التسوية الإقليمية الدولية تضع تفاصيل الحكم بإقفال (وإنهاء) الحرب الأهلية كانت أحكام المنطق عند ذلك المهووس تأخذه إلى إعلان حربين داخليتين مدمرتين أوصلتاه الى المنفى وأوصلت الوصاية إلى ذراها.. وعندما أخذ السوريون قرارهم بالاكتفاء من الاستبداد والطغيان، ارتأى جنابه الوقوف إلى جانب بشار الأسد باعتباره أقوى من شاه إيران وسيبقى في مكانه! وعندما شاعت «حرب المرايا» بين التكفيريين من جانبي المواجهة الفتنوية رأى وصدّق رؤاه، أن الاصطفاف الآحادي مُربح له وإن كان كارثياً على العموم! وعندما لاحت بوادر حوارية محلية تبعاً لمعطيات إقليمية ودولية ارتأى صاحبنا أن يصعّد لغة التوتير والتفنيص! وعندما تبيّن بالملموس الناري والدموي، أن أهل الاعتدال هم الأكثرية الكاسحة في طرابلس ومثيلاتها، وأن تيارهم الأبرز نجح في قطع دابر فتنة فظيعة وفي صدّ كارثة استهداف جيش الشرعية ومؤسساتها، قرّر أن يفتح نيران بلاغه المخزي عليه مستعيداً لغة الافتراء وأدبيات التسطيح الاتهامي من غير أن ينتبه إلى أنه يدّعي بالنتيجة أن التمسك بالدولة والشرعية وجيشها خيار غير مربح، فيما التماهي مع التكفير والإرهاب والتطرف خيار مربح!

وكأنه يتحدّث عن حاله وحالته تماماً، مُفترضاً أنه بنى حيثية شعبية مدّعاة، على خياراته والتزاماته الغريبة: يهاجم الجيش في عزّ مواجهاته مع الإرهابيين ثم يوفد خليفته المنتظر ليشيد بالجيش الرديف أي «المقاومة» ويوزّع كلاماً متذاكياً عن إرادتها التي لا تحدّها حدود ولا تصدّها سدود و«لا تطلب إذناً من أحد»!

.. في واقع الحال، لا يطلب خصومه ومناوئوه وكاشفوه وعاجنوه وخابزوه أكثر من ذلك الأداء وأكثر من تلك «الدّقة» في التصويب والتوقيت، لتأكيد صوابية قرارهم الحاسم بتجنيب اللبنانيين نوبات رئاسة «إصلاحية» أقصى طموحاتها أن تُصلح لبنان مثلما يصلح بشار الأسد سوريا!