لا الحمّام مقطوع المياه، هو هكذا ولا حتى برج بابل كان هكذا!
إنّه لبنان، إنهم أهل السياسة في لبنان.
إنهم هؤلاء الأقوام الذين ليس يُعرف كيف توصلوا الى هذه الفوضى غير المسبوقة، وأوصلوا أنفسهم الى هذا الضياع!
وعلى حدّ قول سياسي عتيق: إننا لم نعد نعرف من مع من، ومن ضدّ من. ولم نعد نقدر أن نميز المعارض مِن الموالي. بل إننا نعجز عن أن ندرك مَن يوالي الموالي، ومَن يعارض المعارض!
معه حق السياسي العتيق الذي دعانا لأن نخصص جائزة قيمة لمن يستطيع أن يؤكّد ما إذا كانت التسوية السياسية الرئاسية لا تزال قائمة أو إنها باتت من الماضي. وما اذا كان اتفاق معراب قد سقط وما إذا كان فريق 14 آذار لا يزال في 14 آذار مفهوماً ومعاني وأبعاداً. وما اذا كان ثمة ما يمكن أن يُطلق عليه تسمية فريق 8 آذار!
جائزة لمن يستطيع أن يجيب على الأسئلة الآتية:
هل إنّ النأي بالنفس مسألة عامة شاملة أو إنها قضية مزاجية؟!
واستطراداً: هل إنّ النظـرة الى النأي بالنفس هي ذاتها عند رئيس الحكومة سعد الحريري وأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله؟!
هل إنّ للبنان سياسة خارجية واحدة يلتزم بها المعنيون في مجلس الوزراء؟!
واستطراداً: مَن يرسم السياسات اللبنانية الاستراتيجية؟ هل يرسمها مجلس الوزراء في بيانه الوزاري الذي ينال عليه ثقة مجلس النواب، أو يتفرد كل طرف (أو مسؤول أو وزير) في أن ينتهج لنفسه سياسته واستراتيجيته؟!
لماذا لا يقوم إجماع ولو لمرّة واحدة على أمرٍ واحد، أساسياً كان أو ثانوياً أو بين – بين؟!
لماذا يختلفون على كل شيء… أجل على كل شيء: من الموقف من إيران وسوريا واليمن… حتى الموقف من النفايات والكسّارات والمرامل والاعتداء على الأملاك العامة في الداخل وعلى الشاطئ؟!
لماذا هم أصحاب «بلاغة» في الثرثرة حول مختلف القضايا، وعاجزون عن النطق عندما يتعلق الأمر بالمشاريع الحيوية ومصالح الناس؟!
لماذا علينا أن نضع أيدينا على قلوبنا مطلع كل صيف خشية إطاحة موسم الاصطياف الذي يحتاج اليه لبنان حاجة ماسة عساه يُسهم في التخفيف من حدّة الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية الخانقة؟!
لماذا هذه الحساسيات على الصلاحيات التي لم يتم التوصل بعد الى الالتزام بها وهي المحدّدة في النصوص الدستورية والوضعية؟!
لماذا، فجأة، يتحوّل العلماني المزعوم الى معتمر عمامة أو قلنسوة… كلّما دعت الحاجة، فيتجلبب الجميع بجلباب الطائفة والمذهب ويكون الواحد منهم لا يشارك، أصلاً، في قداس أو يقرأ الفاتحة إلاّ أمام الكاميرا؟!
الجيل الهجين الذي نُكبنا به وبأن أمورنا آلت إليه بعد الحرب… لماذا لم يتعلّم، بعد، كيف يقرأ في كتاب فلسفة قيام هذا الوطن الذي كان جنة الله على الأرض فحوّلوه الى جحيم للشياطين يرتع فيه المارقون والماكرون والوصوليون والمنافقون وأيضاً جماعة «أمرك سيدنا»؟!
أهذا هو لبنان الذي ورد اسمه في الكتاب المقدّس أكثر من سبعين مرة؟!
أهذا هو لبنان الذي تغنى به المؤرخون من قبل المسيح حتى اليوم؟!
أهذا هو لبنان الذي أنشده كبار الشعراء العالميون والعرب أروع القصائد وأرق الشعر؟!
معه حق السياسي العتيق أمام هاتين الفوضى والبلبلة اللتين فرضوهما علينا فقط من أجل المصالح الآنية، والمطامع، المكشوفة، والشهيات المفتوحة على إلتهام ليس فقط خيرات هذا الوطن بل أيضاً كل ما فيه من روعة وجمال ومعاني الخير والحق.