IMLebanon

أُمُّ المعارك السياسية.. آتيةٌ لا ريب فيها

 

بعد ما يزيد عن العامين على فراغ خطير في موقع رئاسة الجمهورية.

وبعد مبادرة الرئيس الحريري في الوصول إلى تسوية مع الجنرال عون والجهات التي تواكبه وتؤيده وفي طليعتها حزب الله، كُلِّف الرئيس الحريري بتأليف تلك الحكومة التسووية، بعد أن إستغرق الإعداد لشروطها والنقاط الرئيسية التي ستعتمد في نهجها المقبل، وفي طليعة تلك الشروط ان يكون فخامة الرئيس المنتخب في موقع الوسط بين حليفه حزب الله وبين بقية المكونات اللبنانية، مع الأخذ بعين الإعتبار حجم المغامرة الكبرى التي رافقت مبادرة الرئيس الحريري، خاصة بعد تعارضها مع أجزاء واسعة من رغبات ومواقف الشارع السني، وبالتالي تمت التسوية مستندة إلى جملة من المباديء وكان في طليعتها، مبدأ النأي بالنفس عن خلافات المنطقة، وأن يكون الحكم شراكة تسووية تؤخذ بها مصالح فرقائها جميعا بعين الإعتبار بحيث يكون الرئيس عون يحمل اللقب الذي أُطلق عليه: «بيّ الكلّ»، قولا وفعلا، وأن ترعى مجلس الوزراء مباديء حكم الشورى والتلاقي والتفهم والتفاهم ما بين تناقضات الفرقاء اللبنانيين المقسمين أساسا إلى أجواء فريقين نشأا بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري، (14 و 8 آذار)، وبعد أن طمست معالم (14 آذار) وتحولت من تنظيم له قوامه ودوره، إلى روح نظرية يستوحي منها فرقاؤها المنقلبين إلى جملة من الكيانات المستقلة جسدا وروحا. وتشكلت الحكومة في تلك الأجواء الفارضة، وسريعا ما اكتشف الجميع أن قبضة حزب الله قد امتدت وأطبقت، على أعناق الوطن والمواطنين، وأن الدولة اللبنانية قد ازداد شرودها إلى إملاءات ومواقف حزب الله وإلى الإلتصاق الأيديولوجي والسياسي والجهادي بتوجهاته بشكل غير مسبوق، مشفوعا بحكم التيار الوطني الحر ووزير معظم الوزارات جبران باسيل بعد أن سُلّمت إليه معظم شؤون وشجون وصلاحيات الرئاسة الأولى، ومنحت حزب الله كل أصول وفصول الحكم والتمدد والتحكم برئاسات باسيل التي تولت وضع اليد على معظم مواقع الدولة وسياساتها وإداراتها، خاصة منها تلك المواقع «المدهنة» ماديا ومعنويا وسياسيا واجتماعيا واداريا وقضائيا، وكنا ندرك مع مرور الوقت حتى بلوغ العهد عمرَ السنة، كم كانت معاناة الرئيس الحريري طويلة الأمد والضغوط المتمادية، عليه وعلى موقعه، وكم أخذ هذا الرجل على عاتقه وعلى أعلى درجات الصبر والاحساس بالمسؤوليات الوطنية والميثاقية التي القيت على كاهله وعلى مواقع التحسس والتحسب السيادي والأمني والإقتصادي لديه، ومدى الخشية من انفراطها إلى ما لا تحمد عقباه.

ومنذ أن أعلن استقالته الصاعقة من العاصمة السعودية، فوجيء الكثيرون بها وبوتيرتها العالية، وفسروا الغموض الذي رافق ظروفها وتفاصيلها، كل على هواه، إلى حد التأكيد بأنه قابع في الإقامة الجبرية في المملكة، وأنه ممنوع من السفر، وأن في ذلك إهانة لكرامة لبنان واللبنانيين، ومنهم من أجمع على وجوب التريث في تقييم هذه التطورات الدراماتيكية وما تخفيه في طياتها من وقائع وتوقعات ونتائج عملية. بقيت الأمور على حال من التراشق في المواقف والأقوال والتهم، وهي وإن توضحت بعض الشيء بعد جملة من النشاطات التي قام بها الرئيس الحريري داخل المملكة وخارجها، إلاّ أنها أخذت بُعدا أكبر من الوضوح بعد المقابلة التي أجريت على شاشة تلفزيون المستقبل، ونقلتها محطة MTV وحدها دون سائر المحطات التلفزيونية الأخرى التابعة بشكل أو بآخر لمنظومة حزب الله الإعلامية ولمحطة OTV العونية، وكان واضحا ذلك السعي الحثيث من قبل الفريق المانع والممانع لنقل موضوع الإستقالة من دوافعه الأساسية المتمثلة بممارسات حزب الله ومن خلفه إيران على مدى المنطقة عموما وعلى المدى اللبناني خصوصا، إلى موضوع مختلف تماما، بجملة من التغطيات على الأوضاع الشاذة السائدة في لبنان والتي وصلت أخطارها إلى حدٍ يكون فيه لبنان أو لا يكون، وبعد جملة من المواقف المغالية بتصرفاتها وشتائمها للمملكة العربية السعودية وتطور ذلك إلى حد التصريحات التي وضعت يدها وهيمنتها على لبنان إلى حد اعتبار أنه شأن ايراني تحركه البوصلة الإيرانية.

وباتت مجاهرة الحزب بانتمائه الكامل إلى الحرس الثوري وإلى ولاية الفقيه بما فيه تصريحات للسيد حسن بأنه جندي من جنود الولي الفقيه، وأن أكل الحزب وشربه وسلاحه معاشات عسكرييه وكل مصاريفه هي من الخزينة الإيرانية( أي من خزينه الحرس الثوري المشارك بالمال والسلاح في حرب الحوثيين في اليمن).

وبعد جملة الشتائم التي طاولت المملكة العربية السعودية متناولة الحكم والأسرة المالكة والمسؤولين السعوديين.

وبعد تطور الحالة الحوثية ورسائل التهديد الأمني التي باتت تطاول بها المملكة وبقية دول الخليج، وبعد أن كانت عمليات التحرش الحوثي الأمنية مقتصرة على الأسلحة العادية والمتوسطة، أصبح التطاول الأمني على المملكة متخذاً طابعاً غاية في الخطورة من خلال الصاروخ البالستي إيراني الصنع الذي أطلقه حوثيون بمواكبة وخبرة مقاتلي حزب الله.

وبعد تلك الأقوال المدفعية التي أطلقها ولايتي مستشار الوليّ الفقيه بعيد زياراته للرئيس الحريري في مقر مجلس الوزراء… إذا بنا أمام وضع طفح به الكيل وأصبح فيه لبنان معادياً للعالم كله، شرقا وغربا، وشعوبا وقبائل، واذا بنا في موقع سيصعب فيه على لبنان إيجاد لقمة العيش لأبنائه بعد ما طاولته الحصارات والمواقف المعادية من كل جانب، وبذلك انفجرت الأزمة، وكان لا بد لها أن تفجّر معها، كل هذه الأحوال غير الطبيعية التي تهدد الوضع اللبناني كله بسوء المصير.

…الرئيس الحريري، عائد إلى عرينه الأصلي والثابت في حزبه وتياره وجمهوره الممتد على مدى شعبي واسع، وهو لئن اهتز قليلا، فهو سيعود سليما معافى، قويّ الإرادة والتوجه ومحدّد الهدف ومشدود التصميم والعزيمة، على تصحيح الوضع وتصويب المسيرة.

هو قد أعلن ذلك كله وأكد بشكل خاص على مجمل شروط التسوية التي جاءت بالجنرال عون وبالرئيس الحريري إلى سدة الحكم، وبدونها كان استمرار الفراغ سيبقى سيد الموقف.

ويلاحظ أن هناك تهرّباً من شروط التسوية ومحاولات لا تهدأ لتحويرها وطمسها، والمساعي ستنصب بعد الآن على إعادة القاطرة اللبنانية إلى السكة الصحيحة، وهو أمر ممكن مع العودة إلى حقيقة التسوية وإلى رفض استحكام الدويلة بأسس ومقومات الدولة، والى فهمٍ وتفاهم، لطالما طالب الرئيس صائب سلام رحمه الله باعتماده كمقياس ونهج ثابت بين اللبنانيين.