في أربعينية الاستحقاق الرئاسي أمس، تعبت رئاسة المجلس النيابي من تدوير المواعيد وتوجيه الدعوات، ولم يتعب النواب المعطلون لانتخاب رئيس الجمهورية من اختلاق الأعذار تبريراً للغياب، ولا تعب المنقلبون على الاستحقاقات من اللعب على حافة الهاوية الوطنية، معتمدين على طواعية شارع بدأت تستيقظ عنده روح الممانعة.
وقد لا يحظى مجلس النواب الحالي، إذ بقي له من العمر سنة واحدة، بفرصة انتخاب رئيس للجمهورية، كونه من الواضح أن مفتاح الصندوقة الزجاجية التي يضع فيها النواب أوراقهم الرئاسية، بعيد المنال، وإن كان مكانه معروفاً، ولو غير ظاهر، أو أن مَن يحتفظ به، بقوة الأمر الواقع، لا يعترف بالواقع، بل يتصرف وكأن أحداً لا يرى مفتاح صندوقة الاستحقاق متدلياً من علاّقة مفاتيحه الاقليمية المتعددة، فيما هو يُرى بالعين المجردة، من دون أن يغامر أحد بمدّ اليد اليه، واستعادته أو على الأقل استعارته، لأن حراس التعطيل سنكي طق، وفي استنفار دائم، فالافراج عن المخطوف يتطلب فدية، والفدية المطلوبة بالعملة الصعبة، ومن يعطيك ماله، يأخذ روحك.. وهذا ما يحاول أن يتجنبه الممسكون بزمام الرئاسة اللبنانية.
كلام كثير حملته أمواج الأثير، عن طبخات رئاسية، بمقادير فرنسية – فاتيكانية أو سعودية – ايرانية، تبدد كله في فضاء الجولات الرئاسية الخلّبية، بلغة العسكر، أي الفارغة من أي محتوى، وبالتالي من النصاب. ويحاول بعض المعطلين إسباغ البعد الوطني على موقفهم، بادعاء أن المسألة المطروحة الآن، هي أي رئيس يريده لبنان، وأي رئيس يختاره الآخرون للبنان؟ ويجيب هؤلاء أنفسهم بأنفسهم، بأن اللبنانيين يريدون رئيساً لدولة سيدة حرة مستقلة، والآخرون يريدون رئيساً قابلاً للتكيّف مع المخططات البان كي مونية التوطينية…
وبالطبع تلك ليست الصورة الصحيحة للوضع، فمن يطرح نفسه كرئيس مطلوب، هو مَن يتمسك به الآخرون، وعملياً، هناك مرشحان جدّيان وحيدان: العماد عون والنائب فرنجيه، وكلاهما يرتويان من منهل واحد، فكيف يكون أحدهما رمزاً للسيادة والآخر عنواناً للتكيّف؟
هذه الثنائية الحصرية، ارتاب الحلفاء بإطلاقها من قبل الخصوم، وعلى أساس أنه ترشيح للاحراج، فيما أكد صاحباها، سعد الحريري وسمير جعجع، أنها للاخراج وليس للاحراج، أي لاخراج يوسف الرئاسة اللبنانية من جُبّ الحلفاء، وحلفاء الحلفاء، على أمل أن يتنازل أحدهما للآخر، ويا دار ما دخلك شر…
لكن هذا، يتطلب مصالحة بين الحليفين اللدودين، والمصالحة تتطلب انسحاب المرشح سليمان فرنجيه من المعركة الرئاسية، بحسب قراءة فريق التيار الحر، الأمر الذي يقود الى احراج سعد الحريري ويدفعه مع النائب وليد جنبلاط الى القبول ب هارون الرشيد وفق وصف جنبلاط للعماد عون، ويدفع بالرئيس نبيه بري الى تقبل الأمر الواقع، في حين رأى فريق المردة أن المصالحة بين الحاضر والمستقبل، توجب اعطاء الأفضلية لمن مستقبله أمامه.
لكن الرئيس بري خرج من هذه اللعبة كالشعرة من العجين، حينما وصف كلاً من ٨ و١٤ آذار بحالة الانفصام، ليجاهر بالقول إن الترياق الرئاسي في لبنان، لم يعد لبنانياً، بدليل الرهان الطويل على الحل اللبناني الذي بلغ أمس جولته الأربعين بلا طائل. لقد مر الاستحقاق الرئاسي حتى الآن بستة خيارات، ثلاثة للرئيس سعد الحريري: جعجع أولاً ثم العماد عون ثم فرنجيه، وثلاثة للدكتور سمير جعجع: أولاً مع نفسه ثم مع مرشح توافقي، وأخيراً مع العماد عون، والسابع كان النائب هنري حلو، خيار النائب وليد جنبلاط المستمر.
واليوم، مع الجولة الأربعين للاستحقاق الرئاسي اللبناني، الخيارات عينها، ولا جديد معلناً، الجديد هو القديم، جلسة انتخاب يعطلها غياب النصاب، مرة كل ثلاثة أسابيع…