لدينا في لبنان أفضل الأطباء في العالم، وأبرع المحامين، وأمهر المصرفيّين، وأرقى المهندسين، وأشجع الضباط والعسكريّين، وأعذب الأدباء والمثقفين… ولدينا مجموعات من أسوأ السياسيّين وأفسد الإداريين في العالم.
ها هو الأمن العام يُحقّق أكبر الإنجازات في مكافحة الإرهاب بتوقيف أحمد الأسير، فيما بعض أهل السياسة أجهض توقيف شادي المولوي وأفلته من قبضة العدالة قبل سنوات.
ها هو الجيش يتصدّى للإرهاب على الحدود وفي الجرود، ويدفع دماء خيرة شبابه، فيما بعض أهل السياسة يُشغله ويُلهيه في لعبة الداخل..
ها هي الزبالة تُحاصر اللبنانيّين في الشوارع وتُهدّد صحّتهم وتُذل كراماتهم، فيما بعض أهل السياسة يتنازعون على تقاسُم أموالها.
ها هو العجز السياسي المطلق في اتخاذ قرار بإزالة النفايات من أمام منازل الناس والأطفال، فيما يُطالب بعض أهل السياسة بقرار الحرب والسلم.
لبنان ليس قمم الزبالة، ولا وحشيّة طارق يتيم، ولا غدر قاتل المقدّم ربيع كحيل، ولا مشهد قتل سارة الأمين على يد زوجها بأكثر من 17 رصاصة أمام أولادها، ولا سرقة السيارات وتفخيخها، ولا الدولة المقطوعة الرأس ومشلولة اليد في مجلسَي النواب والوزراء، ولا تجارة المخدرات ومَرتع الدعارة، ولا ساحة الميليشيات والطوائف المتناحرة، ولا الفساد الذي لا بداية له ولا نهاية.
لم يَعُد ينفع صبرٌ، ولا رفع شعاراتٍ طنّانة رنّانة، ولم تَعُد هناك أي قيمة للبكاء أو المطالبة باسترداد حقوق طائفية ومذهبية ما لم يُرفع الذل عن الناس أولاً، وتُرفع الأوبئة والروائح الكريهة عن صدور الناس وأنوفهم.
ويسألونك بعد: لماذا تحوّلت الـ «تسونامي» الى «So Little»؟.
لأن الناس قرفت ويئست من محاربة طواحين الهواء واستغلالها واستغبائها والإستهزاء بأبسط حقوقها. إجتمعت الحكومة أو لم تجتمع، ليس هذا همّ الناس. إتفقوا على آلية لإتخاذ القرارات أو لم يتفقوا، هذا آخر هموم الناس.
المنطقة تغلي حروباً وتفيض دماء ودماراً، والخرائط السياسية والجغرافية يُعاد تخطيطها ورسمها على أنقاض الأنظمة المتهاوية لإنتاج شرق أوسط جديد، فيما يؤكد بعض المسؤولين والسياسيين في لبنان عجزهم ليس عن انتخاب رئيس للجمهورية أو الإتفاق على قانون للإنتخابات النيابية فحسب، بل عن الحد الأدنى من واجباتهم وهو اتخاذ أبسط قرار برفع الزبالة من الشوارع.
لم يمرّ على لبنان أسوأ من هذا الزمن، ولا أردى من هذا المشهد، ولا أفشل من هذا العجز. ليس مسموحاً ألّا ينعقد مجلس الوزراء هذا الأسبوع، بل ليس مسموحاً أن يخرج الوزراء من جلسة متواصلة ليلاً نهاراً، حتى التوصل الى قرار.
هذا لسان حال الناس، ومن لا يستحِِ يصنع ما يشاء.