IMLebanon

فيلم “إكسودس”: قيمة فنّية عالية و”إلٓه” أصولي حاقد

ما العلاقة بين إلٓه فيلم “إكسودس” اليهودي الذي يُعرض حاليا في بيروت وبين إلٓه الفكر الأصولي المنتشر بين صحارى وأرياف ومدن منطقتنا؟ هنا قراءة مختلفة لدلالات هذا الفيلم عن القراءات الجارية له في الغرب وبعض الشرق الأوسط.

يثير فيلم “إكسودس: آلهةٌ وملوك” للمخرج البريطاني ريدلي سكوت نقاشاً واسعاً في العالم بسبب نجاحه الجماهيري المرتبط بمضمونه التوراتي الذي يتناول وضع اليهود في مصر في فترة استعبادهم ثم رحيلهم بقيادة النبي موسى. لكن الفيلم سيثير المزيد من الضجة بعد منع عرضه في مصر والمملكة المغربيّة حتى الآن بينما هو يُعرض حاليا في بيروت وسط إقبال واسع.

لا شك أن الصورة السيئة جدا للحكم الفرعوني  من حيث تبنّي الفيلم لرواية اضطهاد اليهود في مصر، تقف وراء المنع.  فوزير الثقافة المصري اعتبره “مخالفاً للحقائق التاريخيّة”. وهذا محتمل لأن الرواية التوراتية غير ثابتة تاريخيا كما يرى العديد من المختصّين الغربيّين. ولكن هذا شأن الكثير من الروايات الدينيّة.

أعتقد أنه يجب أن نرى هذا الفيلم من زاوية أخرى تتّصل بأوضاعنا الراهنة في المنطقة. فرغم تبنّي الفيلم لوجهة النظر التوراتيّة (مع بعض الإضافات التي لا تغيّر من منحاه الأساسي هذا) ورغم أن هذا المنحى يشكّل في ظاهره دعماً دعائيّا للمتعصّبين الإسرائيليّين سواء أكانو دينيّين أو علمانيّين عبر العرض الفنّي الجذّاب والمثير لواحدة من أكثر الأساطير الدينيّة تبريرا للعداء الإسرائيلي للعرب عموماً والمصريّين خصوصاً… رغم ذلك فإن الفيلم يستحق مناقشةً من نوع آخر إذا اعتبرنا صورة “الإلٓه” هي محور الفيلم  لا الصورة الوطنيّة بيننا وبين الإسرائيليّين. وهذا مستوىً يزداد أهميّةً مع انتشار التيارات الدينية الأصوليّة في كل المنطقة اليوم.

أوّلاً: لا عملَ روائيّاً سينمائيّاً أو مسرحيّاً أو تلفزيونيّاً يمكنه أن يلبّي البحث التاريخي أو يُناقَش على أساسه. وهذا موضوع قديم بات مفروغاً منه لأي عمل روائي تاريخي. الفيلم الوثائقي يمكن أن “يُحاكَم” على ادعائه البحث التاريخي لا الفيلم الروائي. كما صار من المفروغ منه أن القيمة الفنيّة للفيلم أو العمل الفنّي مستقلّة عن قيمته التأريخيّة (بوضع الهمزة على الألف). ونحن هنا، مع “إكسودس”، أمام عملٍ ذي قيمة فنّية عالية فيما هو لا يستند فقط إلى أسطورة دينيّة بل أيضا إلى متخيّلات أضافها المخرج. منها مثلاً كما تشير المؤرّخة والكاتبة أليكس فون تونزمان في مقال لها عن هذا الفيلم في صحيفة “الغارديان” في الرابع من هذا الشهر أنه حتى في التوراة لا إشارة لمشاركة موسى في المعركة المصرية مع الحثّيّين في “قادش” (سوريا الحالية) التي يُظهرها الفيلم كما أن بناء الأهرامات تمّ بين القرن الـ27 والقرن الـ 24 قبل الميلاد بينما عاش موسى في مصر بين القرنين 14 و13 قبل الميلاد وبالتالي فإن نظرية بناء اليهود للأهرامات التي يتبنّاها الفيلم هي غير صحيحة.

ثانياً: وهو ما أظن أنه جوهر الموضوع في ما يتعلّق بفيلم “إكسودس”. الفيلم يقدّم “إلٓه اليهود” بأبشع صورة على الإطلاق: إله حاقد عنيف قاسٍ بلا رحمة ومبالِغٌ في الكراهية إلى حد يمكن “اتهامه” حسب الفيلم بأنه يريد القتل للقتل والتعذيب للتعذيب. إلٓهٌ ساديٌّ بكل معنى الكلمة. حتى أن موسى خلال كلامه معه على الجبل يطالبه، أي يطالب إلٓهَه بأن يوقف انتقامه الرهيب من المصريّين، فيرفض الإلٓه ويقول لموسى (عبر الطفل الذي يخاطب موسى بواسطته) أن هذا ليس شأنك يا موسى وعليك أن تنتظر المزيد من الانتقام بالأوبئة والأفاعي والجراد والماء الملوّث والجوع وإبادة أطفال العدو و و و… هذا يعني أن موسى أكثر رحمةً من إلٓهه في الفيلم وأكثر اتزاناً وعدلاً.

يفيدنا جدا هذا النقاش مع الفكر الأصولي. فالأصوليّون المعاصرون “الإسلاميّون” أقاموا إلٓهاً خاصاً بهم غير الله عند المسلمين. الأكثرية الساحقة من المسلمين والمسيحيّين واليهود المؤمنين  يعبدون ربّاً يرونه إله التسامح والقدرة العادلة أما إله الأصوليّين فعنيفٌ وقاتل وحاقد. باسم الدين تُقمع المجتمعات وتُبنى أنظمة الذبح والإرهاب. كل ذلك على أنه مشيئة إلَهيّة مقدّسة تُستخرج لأجلها نصوصٌ وُضعت لغير زمن ولغير سياق ، إذن تُشوّه. لسنا هنا في مجال البحث في الاستبداد العلماني، فهذا الاستبدا يتكلّم باسم الشعب و بعض القيَم الفكرية المعاصرة ولكنّ أساس عنفه لا يقوم على المقدّس الديني. أما ما نحن بصدده فهي أشكال العنف والتنكيل والرعب التي تُمارَس باسم إله غير الله الذي يعرفه المؤمنون ويوحّدونه. إلٓه، بالنتيجة، هو إلٓه لا نريده ولا نحبّه.

المسألة، بكلامٍ آخر، التي يثيرها الفكر الأصولي، وقد بات يملأ حياتَنا حاليّاً، هي التشدّد الديني بما هو ليس فقط مجرّد “مدرسة” في الدين بل، أقل ما يجب قوله، أنه دين آخر وإلٓه آخر.