IMLebanon

هل تصعّد إيران في الخارج لِتُلهي الداخل؟

 

منذ اللحظة الأولى لانتصار الثورة الاسلامية في إيران في شهر كانون الثاني عام 1978 وشعارها تصدير الثورة. وبمعنى أدق تشييع العالم الاسلامي. كما كانت تعتبر انه بتمددها الى الخارج فإنّ الداخل سوف يلتف حول النظام الجديد.

هذه القاعدة نجحت الى حد كبير في بداية الثورة، وهكذا كنا نرى ان الشعب الايراني ملتف حول القيادة الجديدة، مؤيداً كل الخطوات العسكرية التي تقوم بها، بدءاً بالحرب على العراق التي استمرت 8 سنوات منذ عام 1980 الى عام 1988، وتكبّدت كل من إيران والعراق فيها 1000 مليار دولار خسائر مالية إضافة الى خسارة كل دولة مليون شهيد. والأسوأ من ذلك ان البلدين بعد الحرب لم يستطيعا التعويض عن خسائر الحرب تلك، لذلك رأينا تراجعاً في الحياة اليومية للشعبين، وبدأ الفقر يظهر بوضوح وصارت حاجة المواطنين في البلدين مُلحّة. صحيح ان إمكانيات الدولة الايرانية أكبر من العراق، ولكن الحياة الاقتصادية والمعيشية تراجعت في البلدين فصارت صعبة بالنسبة لشعبي البلدين. ورغم ذلك تمكن نظاما الحكم فيهما من السيطرة على الأوضاع الأمنية، وأقدما على قمع شعبيهما، حيث أخمدت كل حركة شعبية تحت شعار المؤامرة على الثورة وعلى الوطن، وتحميل أميركا مسؤولية تردّي الأوضاع، والحديث عن مؤامرة كونية على البلدين. وظلت الحال كذلك الى أن قرّر الرئيس الاميركي جورج بوش الابن غزو العراق تحت شعار القضاء على الارهاب أولاً… والقضاء على أسلحة الدمار الشامل ثانياً، ومن أجل إعطاء الشعب العراقي حريته.

تبيّـن بعد تلك الحرب، كما كتبت مجلة «مونتور كريستنس ساينس»، ان الاعذار أو الأسباب الثلاثة كانت كاذبة.

أولاً: لم يكن في العراق أي إرهاب بل العكس فبعد سقوط نظام صدام ظهرت «داعش» والقوى الظلامية والارهابية.

ثانياً: لم تجد القوات الاميركية التي غزت العراق أي آثار لأسلحة الدمار الشامل.

ثالثاً: اما بالنسبة للشعب العراقي، فكان باعتقادهم ان هذا الشعب كان ينتظر من يحرّره من نظام صدام، وكان الاميركيون يأملون باستقبال الجيش الاميركي من قِبَل العراقيين بالورود، وأن المعركة ستكون لأيام قليلة.. لكن تبيّـن ان الشعب العراقي استقبل القوات الاميركية بالحديد والنار والقتل، وتأكد الاميركيون ان المعركة طويلة لا بل طويلة جداً… وكل ما حدث هو المزيد من تدمير بلد عربي لمصلحة إيران وإسرائيل…

هذه هي حقيقة ما جرى في العراق جراء سقوط نظام صدام حسين.

استفاد نظام «الملالي» كثيراً من غزو أميركا للعراق ودخل الحرس الثوري الى العراق بالاتفاق والتنسيق مع أميركا، وكل ما فعله الاميركيون في العراق هو تقسيم البلد الى دويلة كردية، وإلى فرز المناطق بين مناطق شيعية وأخرى سنية. والأسوأ إنشاء ميليشيات شيعيّة تتعاون مع الحرس الثوري مهمتها السيطرة على الدولة والقضاء على أهل السنّة في العراق… ويكفي أن نعلم أنّ قائد «فيلق القدس» السابق في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني كان يستولي على 6 مليارات دولار سنوياً من مبيع النفط الذي كان يوفّره له رئيس الحكومة في ذلك الوقت، نوري المالكي، الذي أهدر مئات المليارات من المال العراقي على السرقة والنهب والمشاريع الوهمية، بالإضافة الى تمويل جميع الميليشيات الطائفية… وهناك حديث عن إعطاء حزب الله اللبناني أيضاً المليارات ثمن أسلحة ورواتب كما اعترف بذلك السيد حسن نصرالله قائلاً: «إنّ رواتبنا وأكلنا وشربنا وملبسنا وأسلحتنا كلها تأتي من الدولة الاسلامية في إيران».

طبعاً قُتل اللواء قاسم سليماني لأنّ دوره انتهى… واليوم وبعد اغتياله بواسطة طائرة مسيّرة قامت بها مجنّدة في الجيش الاميركي عمرها 24 سنة من منزلها في ميامي بينما كانت تتابع زيارة اللواء قاسم سليماني ومعه أبو مهدي المهندس نائب قائد الحشد الشعبي العراقي.

تغيّرت الأحوال وأصبحت ايران اليوم في وضع اقتصادي صعب جداً، يُضاف إليه العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي، وبالأخص العقوبات على تصدير النفط. والأصعب أنّ تراجع العملة الذي هو مؤشر حقيقي للصعوبات الاقتصادية التي يعاني منها الشعب الايراني… تصوّروا ان سعر صرف الدولار أيام الشاه كان كل دولار يعادل 5 تومان، بينما أصبح اليوم 340 ألف تومان… ومن يتصوّر كيف يمكن للشعب أن يعيش؟

لذلك نرى أنّ طريق عودة الحياة الطبيعية الى إيران أصبحت صعبة، وأنّ الأزمة المالية سوف تقضي على الثورة مهما طال الزمن. إذ لا يمكن لهذا النظام الذي يجوّع شعبه ليصرف على مشروع التشييع الذي هو مشروع خيالي، لا يمكن أن ينجح. تصوّروا يوجد مليار وخمسماية مليون سنّي مقابل 150 مليون شيعي في المنطقة، فالنتيجة محسومة سلفاً.

والنقطة الأساسية في هذه المعركة أن أي نظام مهما مارس من تسلّط وقام بقوة الحديد والنار في ظل بطون جائعة وخاوية فلن يستطيع الصمود مهما مارس هذا الحكم الديكتاتوري من بطش وظلم وقهر ولن يقدر على الاستمرار، والنصر سيكون للشعب حتماً مهما طال الزمن.