رغم كل ما يُحْكى ويٌشاع، فإنّ الاحتجاجات الأخيرة في الجمهورية الاسلامية أبرزت -بما لا يدع مجالاً للشك- عمق التباين وعدم التوافق في وجهات النظر لدى الأوساط الايرانية.
وانطلاقاً من مقولة «الاتفاق على عدم الاتفاق» اختلف الايرانيون هذه المرّة بشأن العنف الذي استخدمه «نظام الملالي» ضد الاحتجاجات السلمية الايرانية بعد مقتل مهسا أميني من قِبَل شرطة الأخلاق بحجة خروجها دينياً عن فرضية الحجاب، ما ألهب إيران في جميع أنحائها.. وبدأت عمليات تنفيذ الاعدام بالجملة والمفرّق بحق «المدانين» في الأحداث الأخيرة حسب رواية النظام… ما أثار نقمة عارمة في الشارع الايراني المحتج والمتابعين لما يجري من انتهاك صارخ لحقوق الانسان.. لكن المؤكد أنّ ما يجري هو مؤشر واضح وصريح على قرب «سقوط نظام الملالي» وبخاصة بعد مقتل الطبيبة الايرانية آيدا رستمي، حتى ان الغربيين الذين كانوا يؤيدون إحياء الاتفاق النووي غيّروا رأيهم.
فالنظام يتستّر على مقتل آيدا رستمي ويحرم المعتقلين من العلاج، فقد نفى أحد مصادر «إيران انترناشيونال» سيناريو انتحار آيدا رستمي الطبيبة التي كانت تعالج جرحى الانتفاضة الشعبية في البلاد… ووفقاً للأدلة المتوافرة فإنّ النظام الايراني هو من قام بقتلها.
من جهة أخرى، حُرمت المحتجزة إلهام مدرسي من الحصول على الخدمات الطبّية رغم سوء حالتها المرضية.
وقد تم دفن جثمان آيدا رستمي في 16 كانون الحالي، فيما كانت بعض التقارير تشكك في صحة سيناريو الوفاة المشبوهة لهذه الطبيبة في مستشفى جمران بالعاصمة طهران، كما يشير التناقض في الروايات المختلفة والمعلومات التي نشرتها وسائل الاعلام التابعة للنظام الى ان السلطات الايرانية لفّقت سيناريو انتحار رستمي.
وتركز روايات النظام على وفاة آيدا رستمي، من ناحية على حادث اصطدامها بجسم صلب، ومن ناحية أخرى تشير الى سقوط هذه الشابة من مكان مرتفع.
من جهة أخرى، أعلنت وكالة أنباء «ميزان» التابعة للسلطة القضائية الايرانية عن اعتقال مُشْتَبَه فيه في جريمة قتل رستمي.
يذكر انه منذ بداية الانتفاضة الشعبية، كانت آيدا رستمي تقدّم الاسعافات والمساعدات الطبّية للمتظاهرين الجرحى خارج المستشفيات، واعتبرت بعض المصادر انه من الممكن أن تكون قد قتلت على يد قوات النظام بالنظر الى الاصابات التي لحقت بجسدها.
وكان الطب الشرعي أعلن أنّ سبب وفاتها هو الاصطدام بجسم صلب… كذلك مَنَعَ النظام وعناصر أمنية المواطنة المعتقلة إلهام مدرسي (32 عاماً) من العرض على طبيب، رغم تدهور حالتها الصحية.
ونذكر بإعدام المواطنة الايرانية ريحانة ملايري مصمّمة الأزياء الايرانية شنقاً، بعد إدانتها بمقتل ايراني دفاعاً عن النفس بعدما حاول اغتصابها، ولم تأخذ المحكمة بأقوالها وادعت ان محاولة الاغتصاب غير مثبتة بأدلة كافية.
الى ذلك، نفّذ النظام الايراني «الملالي» عقوبة إعدام، خارج نطاق القضاء على بطل رياضي الاسبوع الماضي، ما أثار دعوات دولية متجدّدة من منظمات الدفاع عن الرياضة لحظر النظام ومنعه من المشاركة في أولمبياد طوكيو.
فقد اعدم علي المطيري بطل الملاكمة والمدرب الشعبي من قِبَل نظام الملالي في سجن شيبان بمحافظة خوزستان، وتعرّض المطيري (30 عاماً) لتعذيب شديد بتهمة قتل اثنين من ميليشيا «الباسيج».
الى ذلك، قال روب كوهلر المدير العام لـ(Global Athlete) وهي مجموعة دولية مناصرة للرياضيين الاولمبيين: «يجب على اللجنة الاولمبية الدولية أن تعمل الآن على فرض عقوبات على إيران فَصَمْتهم يجعلهم متواطئين».
وبعد إعدام المطيري، قالت متحدثة باسم الأمم المتحدة «نُدين بشدّة عمليات الإعدام، هناك 28 عملية إعدام على الأقل حتى الآن، بما في ذلك أشخاص من الأقليات».
وذهب البعض الى المطالبة بعقوبات ضد النظام الايراني، أما الرياضيّة الايرانية الشابة مهسا موكوبي فقد قتلت على يد عناصر الأمن رمياً بالرصاص، وتساءل والدها: «بأي ذنب قتلت»؟ وقد ناشد الوالد بحرقة دموعه، الثأر لابنته الشابة.. كما تساءل أيضاً: أهكذا يكون جزاء ابنته البطلة التي فازت بمائة ميدالية رياضية؟
كذلك أعربت النقابة الدولية للاعبي كرة القدم المحترفين عن صدمتها لمواجهة لاعب كرة القدم الايراني أمير ناصر آزداني البالغ 26 عاماً خطر صدور حكم بالإعدام بحقه لأسباب تدخله بالتظاهرات.
ويُحكى عن مقتل مشجع إيراني احتفل بهزيمة منتخب بلاده في المونديال، هذا الشخص هو مهران سماك.
وعلى وقع الأحداث المتسارعة في إيران، تبادل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصوّرة قالوا إنها لمحتجين يطالبون بإسقاط نظام «الملالي» بينما أعلنت كيميا زاده بطلة إيران الاولمبية هروبها من البلاد.
وماذا بعد؟
أرى ان الأحداث التي تسارعت بشكل كبير في إيران، وردّ الفعل المتخبّط لنظام «الملالي» علامة توحي بأنّ النظام الحالي بات قاب قوسين أو أدنى من الانهيار.