ولبنان على أبواب الشهر الخامس من تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة الجديدة، فانٍ المعطيات المتوفرة تشي بأن التأليف في «براد الانتظار» الى ان تحين «ساعة الصحوة» لدى الافرقاء المعنيين، خصوصاً أولئك المتهمين بالعرقلة والتعقيد والمطالبين بالنزول عن شجرة المطالب والنظر الى الامور بواقعية لتجنيب البلد من الانزلاق الى ما لا تحمد عقباه، على رغم عودة البعض الى رفع نبراتهم عبر مواقف تصعيدية لن يكون لها من نتائج سوى اطالة أمد «الشغور الحكومي» وتمديد عمر حكومة تصريف الأعمال..
في قناعة عديدين من المتابعين عن قرب، ان الجمود الحاصل على خط تأليف الحكومة لم يأتِ عبثاً، وهو مرشح للازدياد، على رغم دعوات الافرقاء كافة الى وجوب حصول التأليف في أقرب وقت استجابة لما يتطلبه البلد لانقاذ وضعه السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي والمعيشي، الذي بات قاب قوسين او أدنى من الانهيار..
عاد البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، الى تجديد دعوته «تشكيل حكومة طوارئ حيادية» لكن هذه الدعوة لم تلقَ ما تستحقه من اهتمام وبقيت مصنفة في خانة «تسجيل المواقف».. على رغم مساعيه التوفيقية بين رئاسة الجمهورية و»التيار الوطني الحر» مع «القوات اللبنانية» التي عاد رئيسها سمير جعجع الى مربعه الأول مطالباً بحصة وزارية لم تلقَ استجابة من الرئيس العماد ميشال عون ومن يسير على دربه.. وهو الرئيس الذي خرج عن صمته ووجه رسائل متصلة بالوضع المالي والاقتصادي أطلقها الاربعاء الماضي، دلت على ان هذه الاولويات الملحة باتت تتقدم سائر اهتمامات رئاسة الجمهورية، كما الاهتمامات الرسمية والسياسية باعتبار ان الملفات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، بل والأمنية، باتت من أبرز وأخطر تداعيات التأخير المتمادي في تأليف الحكومة العتيدة..
ينظر البعض بمسؤولية لافتة الى تطمينات رئيس الجمهورية – الذي يتوجه يوم غد الاحد الى نيويورك مترئساً وفد لبنان لحضور الاجتماع الدوري للجمعية العمومية للأمم المتحدة، على أنها دلالة على وجوب الاسراع في تأليف الحكومة، ولن يكون هناك أفضل من هذا الاسلوب في الامساك بعصم المعرقلين ودفعهم الى تقديم تنازلات لاخراج البلد من الشغور الحكومي، كما ولاخراجه من حال الشكوك والمخاوف والاستهدافات المتنوعة، محذراً من مخاطر المضي في اشاعة أجواء سلبية عن الوضعين الاقتصادي والمالي، ومؤكداً ان «لا الليرة اللبنانية في خطر، ولا لبنان على طريق الافلاس ونحن نعمل على معالجة الازمة الاقتصادية الراهنة، وعلينا ان نكون شعبا مقاوماً لليأس..».
الجميع ينتظر عودة الرئيس العماد عون من نيويورك، كما عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت.. والبعض يأمل ان يكون ما يحمله «سعاة الخير» من أفكار ومشاريع وحلول، بداية حل لأزمة لبنان المستعصية، على رغم المساعي الخارجية، وبالتحديد الفرنسية، لوضع الازمة على طريق الحلول غير المستعصية، والعمل بكل جدية على خط نزع فتيل التوترات المستجدة.. وذلك على الرغم من ان أي «تطور ايجابي» لم يطرأ بعد علي المشهد السياسي اللبناني الداخلي، والجميع، على ما قلنا ينتظرون عودة الرئيس عون، وما يمكن ان تؤول اليه الاتصالات مع الرئيس المكلف سعد الحريري الذي ما انفك ينصح أصدقاءه والمقربين منه وحلفاؤه والمحسوبين عليه بوجوب «تدوير الزوايا» وتخفيض اسقف الشروط والمطالب المضخمة.. بما يضمن انطلاق عملية النزول عن رؤوس الشجر لتسهيل ولادة الحكومة العتيدة..»
لقد توقف عديدون أمام كلمة الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله، ليلة احياء العاشر من محرم (عاشوراء) أول من أمس وخلاصتها أنه «في النهاية، كل العالم (أي كل الافرقاء اللبنانيين المعنيين) ستشكل حكومة مع بعضها البعض ولا أحد قادر على الغاء الآخر، ولنستفد من الوقت، او على الأقل لا توتر الأجواء في لبنان..» مبدياً أسفه «للجو الحاكم في لبنان وهو جو التشنج نتيجة الخطابات والأدبيات المعتمدة، وأي قضية صغيرة من الممكن معالجتها تصبح قضية كبيرة..» ليخلص متسائلاً «لماذا تضييع الوقت وتوتير الأجواء..»؟!
الكرة في ملعب «التيار الوطني الحر» كما وفي ملعب «القوات اللبنانية» كما وفي ملعب «الحزب التقدمي الاشتراكي» وان كان الرئيس الحريري يرى ان العقدة ليست محصورة في «الثنائي المسيحي» بل هي أيضاً عند «تيار المردة» .. ومن أسف، ان أياً من الافرقاء الثلاثة غير مستعد لفتح قنوات التواصل والاستجابة لمبدأ «الحوار وتحكيم العقل، على رغم التحذيرات الدولية المتتالية من ان تؤدي هذه السلوكيات الى وضع لبنان على فوهة أزمة كبيرة لا يمكن لملمتها بسهولة خصوصاً وأن التحديات، بل التهديدات الخارجية تتواصل، ومخاطر «التوطين» باتت قيد التداول، وفي أولى أولويات الادارة الاميركية بالتنسيق التام مع الكيان الاسرائيلي، ولا يستطيع أي من الافرقاء اللبنانيين الادعاء بان لا علاقة له بهذه المسألة ولا بصفقة القرن بين واشنطن وتل أبيب، ولبنان في طليعة المستهدفين؟!