تطغى الانتخابات البلدية المقبلة على الساحة اللبنانية بأكملها، وتتفاوت حدّتها بين منطقة وأخرى وفق حجم المنطقة أو رمزيتها السياسية. ففي بعض المناطق تُركت المعركة للعائلات، وفي مناطق أخرى أمسَكت الأحزاب باللعبة البلدية.
في عمشيت، وعلى رغم خوض التحالف المسيحي الجديد، أي «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحرّ» المعركة، إلّا أنّ الخلاف الأساسي بين جميع المرشحين ليس حزبياً أو عائلياً، بل إنمائياً.
لم تنضج «طبخات» الانتخابات البلدية في عمشيت بأسماء مكوّناتها لغاية اليوم، خصوصاً أنّ أبواب الفرقاء كافة ما زالت مفتوحة. أمّا الواضح حالياً، فهو أنّ هناك لائحة ائتلافية برئاسة رئيس البلدية الحالي الدكتور طوني عيسى، وتضمّ «القوات» و«التيار الوطني الحر»، فيما هناك مرشّحان في وجه عيسى هما: رئيس إقليم جبيل الكتائبي المهندس روكز زغيب، والشاب جاد زغيب.
العنوان العريض
يبلغ عدد سكان عمشيت نحو 30 ألفاً، فيما يُقارب عدد أهل البلدة الـ 7 آلاف، ويصل عدد الناخبين المسجّلين على لوائح الشطب لنحو الـ 3700، غالبيتهم موارنة. وقد انتخَب في دورة 2010 ما يقارب الـ 2800 مقترعاً.
يتألف المجلس البلدي في عمشيت من 15 عضواً، ومن أقدم العائلات العمشيتية: كلّاب، كرم، ولحود. وأكبر العائلات العمشيتية اليوم هي زغيب، عيسى، عبود، خليفة، روحانا، الحويك، الحايك…، ولا فارق كبيراً في الأصوات بين عائلة وأخرى، وليس هناك بلوكات انتخابية في العائلات.
يتّفق العمشيتيون والأحزاب كافة على ضرورة إعادة بلدة عمشيت إلى خريطة الإنماء. عمشيت البلدة الثقافية التي تشتهر ببيوتها التراثية القديمة، والتي لُقِّبت بالبصرة، نظراً لشجر البلح الذي تُعرَف به، وخرّجَت معظم نوّاب قضاء جبيل، وعمشيت التي أنجبَت أبرز الفنّانين والمثقفين مثل المخرِج روميو لحود، والملحّن مارسيل خليفة، والموسيقي شربل روحانا… تغيبُ عن ساحتها وشاطئها وأحيائها الحياة، على حدّ قول أهلها، على رغم أنّ آخِر رئيس للجمهورية قبل الفراغ كان ميشال سليمان إبن البلدة.
ينقسم العمشيتيون اليوم بين مَن يعتبر أنّه يجب التعاون مع رئيس البلدية الحالي الذي ترَأس مجلس بلدية عمشيت لمدّة 18 عاماً، نظراً لحيثيته الكبيرة، وبين مَن يَعتبر أنّه حان الوقت لأن يتركَ عيسى مكانَه لأشخاص آخرين. ولا يختلف اثنان في عمشيت على نزاهة عيسى وأخلاقه، ونظافة كفّه، ووفرةِ خدماته، ولكن البعض يفصل بين طوني عيسى كشخصٍ نزيه وبين عدم حسنِ إدارته للبلدية من الناحيتين الإنمائية والاستثمارية.
الخيار الكتائبي
وفي هذا الإطار، يقول المرشّح لرئاسة البلدية، رئيس إقليم جبَيل الكتائبي المهندس روكز زغيب لـ«الجمهورية»: «بلدية عمشيت لا تملك منذ 18 عاماً أيّ ملف لكي تتركه للبلدية اللاحقة، ولم تضع عمشيت على خريطة الإنماء بسبب تشكيل اللوائح وفقَ توافق حزبي من دون أيّ تنافس بين الكفاءات، ما يوصِل أشخاصاً لا يملكون الإمكانات لإعطاء الإنتاجية اللازمة. ولأنّ رئاسة المجلس البلدي تتطلّب تفرّغاً، فلا يمكن لشخص أن يقودها بما تبَقّى له من وقت، بالإضافة إلى أن يكون اختصاصياً في العمل البلدي».
وإذ يؤكّد «نزاهةَ الدكتور عيسى»، يَعتبر أنّ «النزاهة لا تتعارض مع الإنتاج، فهو غير حازم، ويتساهل مع الجميع، كما أنّه كرئيس بلدية منذ 18 عاماً لم يُعطِ الضيعة ما يجب على صعيد الإنماء والاستثمار».
أمّا عن ترشيحه، فيوضح زغيب أنه «شخصيّ وبدعم من حزب الكتائب، لأنّ المكتب السياسي اتّخذ قراراً بعدم التعاطي في الانتخابات البلدية وترك حرّية الخيار بالترشّح والانتخاب للرفاق». ويرى زغيب أنّ «هذه المعركة حدودها الضيعة، أي الإنتاج الذي يمكن أن يعطيَه كلّ فريق لضيعته، ولا نقوم بامتحان للأحزاب». ويراهن على «وعي الرأي العام الذي عانى على الأقلّ خلال السنوات الستّ الأخيرة من فشل الائتلاف الذي يطرح نفسَه مجدّداً اليوم».
نفَس شبابي تغييري
من جهته، يؤكّد المرشّح جاد زغيب الذي سبق أن ترشّحَ عام 2010 ونالَ نحو 600 صوت، أنّه «مرشّح مستقلّ غير مدعوم من أيّ حزب»، مشيراً إلى أنّ «العمشيتيين يريدون التغيير وأنّ أكثر من نصف المنتمين إلى التيار ليسوا مع طوني عيسى وأبلغوا قيادتهم بذلك».
ويقول لـ«الجمهورية»، إنّ على «الدكتور عيسى أن يترك مكانَه للشخص المناسب عوض تبرير فشلِه». ويعتبر أنّ «الأحزاب تدعم الخدمات، ويوجد اليوم لائحة من الشباب من أجل الإنماء وبلدية الحضارة والمستقبل في وجه لائحة سياسية خدماتية»، معلناً أنّ «ما يهمّنا هو أن تقرّر عمشيت مَن تريد وليس السلطات الحزبية غير الموجودة على الأرض، التي تأخذ القرار من مكاتبها ولا يهمّها الواقع العمشيتي أو إنماء الضيعة، بل تهمّها المكاسب والمقاعد التي تحصل عليها».
لائحة عيسى: 5-5-5
أمّا الدكتور طوني عيسى، فيردّ على منتقديه بالقول: «القانون يسمح لي بالترشح، ولا أمنع أحداً من الترشّح، فليترشحوا ويقصوني من خلال الانتخابات. وأقول لهم إطرحوا المشاريع عوض أن تأتوا قبل شهر من الانتخابات للقيام بمعركة وتهشيم المجلس البلدي من دون أيّ إثبات»، موضحاً أنّه «بعد عشرة أيام سننشر كتيّباً يتضمّن كلّ ما أنجزناه».
ويشير في حديثٍ لـ«الجمهورية» إلى أنّ «موازنة البلدية لا تتعدّى 2 مليون دولار في السنة، ومن يتكلّم عن الاستثمار فليتبرّع. هناك متموّلون كثُر في عمشيت، لماذا لم يقدّموا شيئاً إلى البلدية؟».
وعن تقسيم الحصَص في اللائحة، يلفت إلى أنه «لم يتمّ اختيار أعضائها بعد لكنّها ستتوزع بالتوازي: 5 لـ»القوات»، 5 لـ»التيار» و5 لي، وستضمّ أسماء شباب ستلفت النظر».
«القوات»
وعن اختيار «القوات اللبنانية» التحالف مع الدكتور طوني عيسى، يقول منسّق الحزب في جبَيل شربل أبي عقل لـ«الجمهورية»: «انقسَمت الآراء بين من اعتبَر أنّه يجب التغيير في رئاسة بلدية عمشيت، ومن اعتبَر العكس.
وبعد نقاشات ودراسات، رأينا أنّ مِن الأنسب أن نتحالف مع الدكتور طوني عيسى لاعتبارات عدة، منها انتخابية، ومنها غير انتخابية تتعلّق بالنسيج العمشيتي وتركيبة الضيعة. فالدكتور عيسى بما يُشكّل على مستوى عمشيت يشكّل رافعةً انتخابية، ولم نجد في وجهه مرشّحاً يمكن أن نربح المعركة معه».
ويشير إلى أنّ «ما يهمّنا بشكل أساسي أن نوصِل أشخاصاً كفوئين لإدارة البلدية وإنماء الضيعة، وتوافقنا مع الدكتور عيسى على هذا الأمر».
وعن خسارتهم لحلفائهم السياسيين في مقابل تحالفهم الجديد مع «التيار»، يشدّد أبي عقل على أنّ «الانتخابات البلدية تختلف عن الانتخابات النيابية، لأنّ كلّ ضيعة لها خصوصية معيّنة، ولها حساباتها وتحالفاتها، ففي قرى تحالفنا مع الكتائب، وفي عمشيت طرَحنا التوافق وأجرَينا كلّ الاتصالات اللازمة، لكنّنا لم نستطع تحقيقَ ذلك، وبالتالي سنذهب حكماً إلى تحالفات معيّنة، وإذا فرّقَتنا نحن والكتائب الانتخابات البلدية في عمشيت، فهذا لا يعني أنّنا نختلف على المستوى الاستراتيجي والسياسة العامّة».
الخوري
بالنسبة إلى خيارات «التيار الوطني الحر» وخيارات النائب وليد خوري التحالفية في عمشيت، يقول خوري لـ»الجمهورية»: «نتعاون نحن و«القوات»، والدعم الأوّل للدكتور عيسى أتى من «القوات»، ووفق قراءتنا وإحصاءاتنا تبيّن أنّ الدكتور عيسى لا يزال يتمتّع بحيثية كبيرة في الضيعة»، مضيفاً: «لهذه الأسباب تحالفنا معه واتّفقنا معه على أن يدخل نفَساً تغييرياً في اللائحة، ومع ذلك البابُ مفتوح للجميع ولجميع الشباب الذين يطلبون التغيير، ومنهم جاد زغيب الذي أشَجّعه، ونحن ننتظر جوابه لكي ينضمّ إلى اللائحة، وسأشكّل شخصياً ضمانةً له ولمشروعه، فمشروعُنا في صلب التغيير والإنماء في الضيعة».
ومن هذا المنطلق، يعلن خوري أنّ «تقسيم اللائحة غير واضح، لأنّ مِن الممكن أن تدخل قوى أخرى فيها، فالطبخة لم تستوِ بعد ومِن المفترض أن تنضج خلال الأيّام المقبلة».
وعن امتعاض القاعدة العونية من هذا الخيار، يوضح: «منذ 6 سنوات كان هناك اعتراضٌ كلّي للتحالف مع عيسى، وفي النتيجة سارَ الجميع بالاتفاق، والتزمت القاعدة. أمّا هذه المرّة فهناك تحالف سياسي، ولن نستثنيَ العائلات، جميعُها ستتمثّل من الميّالين إلى خطّنا السياسي وخط «القوات» والدكتور عيسى من دون إلغاء أحد».
أمّا عن اعتماد تحالف «القوات – التيار» سياسة إلغاء الزعامات والفعاليات المناطقية، فيقول: «في كلّ المعارك الانتخابية هناك تحالفات، وهذا لا يعني الإلغاء، فهل نفكّ تحالفَنا لكي نثبت أنّنا لا نريد الإلغاء؟».
سليمان ينأى بنفسه
في ظلّ الصخب الانتخابي الذي يحيط بعمشيت، ينأى رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان بنفسه، واختار أن يبقى خارج اللعبة البلدية، وتؤكّد مصادر سليمان لـ«الجمهورية» أنه «لا يتدخّل في الانتخابات البلدية، خصوصاً في عمشيت، فلا يمكن أن يدخل إلى زواريب الانتخابات البلدية التي يغلب عليها الطابع العائلي، فيدعَم شخصاً في وجه ابن عمّه، أو شخصاً من عائلة ضدّ شخصٍ من عائلة أخرى».
في المحصّلة، من المؤكّد أنّ «القوات» و»التيار الوطني الحرّ» والنائب وليد خوري والدكتور طوني عيسى سيخوضون المعركة البلدية في عمشيت بلائحة واحدة موحّدة.
في المقابل، يؤكّد كلّ مِن روكز زغيب وجاد زغيب أنّ هناك اتصالات بينهما لمحاولة تشكيل لائحة واحدة لمواجهة لائحة عيسى، خصوصاً أنّ هدفَهما التغيير والإنماء، وبرنامجَيهما يتشابهان من حيث العناوين العريضة، لجهة ضرورة إحياء ساحة عمشيت وإيجاد طريق رئيس بديل، توسيع وتجديد مدخل عمشيت، استثمار الكورنيش البحري (البولفار) وتوسيعه، وغيرها من الطروحات الإنمائية.
أمّا إذا لم يتمّ التوافق، فسيكون أمام العمشيتيين خياران انتخابيان أو ثلاثة، وحصرية القرار تعود لهم في ظلّ اللعبة الديموقراطية، التي ستظهر نتيجتها في 15 أيّار المقبل.