حرب شعواء، يختلط فيها السياسي بالمالي، تدور في الطريق الجديدة. النائب نبيل بدر قدّم عرضاً لاستثمار الملعب البلدي لتسع سنوات من دون مقابل، ما أثار انقساماً داخل المجلس البلدي حول عقد التراضي هذا والشوائب القانونية التي تعتريه. المعارضون يُتهمون بأنهم ينفذون أجندة سياسية لتيار المستقبل لعدم تكريس شعبية بدر ونفوذه في معقل التيار الأزرق، فيما دخل «التغييري» وضاح الصادق على الخط، شعبوياً، للاستفادة من ارتباط الملعب بوجدان بيارتة الطريق الجديدة، وربما للاستفادة المالية، إذ إن الصادق على علاقة بشركات عملت سابقاً في أنشطة مماثلة لتلك التي يتضمّنها عقد بدر
يبدو الملعب البلدي، في الطريق الجديدة، أشبه بما يكون «بورة». الصدأ أكل المدرجات ولم يعد في الملعب ما يصلح للاستخدام بعد أكثر من تسع سنوات من الإقفال، نتيجة قصور بلدية بيروت وفشلها المتكرّر في إعادة تأهيله مع غيره من أملاكها العامة. الإقفال جعل العاصمة من دون ملعب ودفع بأندية كرة القدم إلى لعب مبارياتها الرسمية في ملاعب خارج بيروت، وعلى رأسها نادي الأنصار الذي تُعدّ الطريق الجديدة حاضنته، وحرم الصندوق البلدي واتحاد كرة القدم من موارد مالية.
لا خلاف على الأسباب الموجبة لإعادة إحياء الملعب الحاضر في ذاكرة أهل المنطقة. ومن هذا الباب، تحديداً، دخل النائب نبيل بدر الذي أبلغ بلدية بيروت برغبته في استثمار الملعب عام 2018. «عسَّت» الفكرة إلى ما قبل الانتخابات النيابية الأخيرة عام 2022، لكن «طُلِبَ» من بدر تأجيل الأمر إلى ما بعد الانتخابات «حتى لا يقال إنني أوظّف الأمر في الانتخابات، وخصوصاً أنني كنت مرشحاً عن المنطقة»، على حدّ قوله، مشيراً إلى أنه رفض عرضاً من البلدية بأن «أتكفّل بتأهيل الملعب مقابل لوحة شكر على مدخل الملعب».
بعد الانتخابات، أعاد بدر، كرئيسٍ لنادي الأنصار، طرح الأمر على المجلس البلدي، وقدّم ما سماه «عقد اتفاق» منحته البلدية «موافقة مبدئية» قبل أشهر، ما يجعله عقداً بالتراضي يتجاوز قانونَي البلديات والشراء العام اللذين يفرضان عليها إعلان رغبتها بتلزيم الملعب ضمن منافسة مفتوحة، وإعداد دفتر شروطٍ تُستدرج على أساسه العروض.
انقسم المجلس البلدي، ومع ارتفاع الأصوات المعترضة على مضمون العقد وقانونيته، راسل رئيس هيئة الشراء العام جان العلية البلدية طالباً منها السند القانوني الذي على أساسه تبحث التلزيم بالتراضي، محذّراً من الإقدام على هذه الخطوة. عندها، بدأ النائب وضّاح الصادق حملة إعلامية ولدى جهات بيروتية للضغط على المجلس البلدي من أجل العقد الذي قدّمه بدر، والتقى رئيس المجلس البلدي جمال عيتاني أكثر من مرة. وحذّر من أنه «إذا كانت الأسباب سياسية بهدف منع النائب بدر من الاستفادة شعبياً من إحياء الملعب، يكون المجلس البلدي يثبت مجدداً أنه مسيّس وفاسد ولا يأبه بالمصلحة العامة»، فيما غابت عن النائب «التغييري» عدم قانونية عقد التراضي، وأن الانهيار المالي وعجز البلديات عن تشغيل مرافقها لا يعنيان توزيع الأملاك العامة على الراغبين المقتدرين، وهم في الغالب رجال أعمالٍ أو سياسة.
يقول بدر لـ«الأخبار»: «قدّمت عرضي لأعرب عن اهتمامي بالأمر، أما إذا كان هناك إجراء قانوني فعلى البلدية اتخاذه وسألتزم به». لكنه جزم أن «أحداً لن يقدّم عروضاً»، مشيراً إلى «عدم حاجة الأنصار إلى التدريب في الملعب البلدي، إذ يمتلك النادي ثلاثة ملاعب على طريق المطار».
يأخذ المعترضون على العقد الذي اطّلعت عليه «الأخبار» تضمّنه ثغراتٍ عدة أهمّها، أنه «على سبيل التسامح»، أي «أن قرشاً واحداً لن يدخل صندوق بلدية بيروت على مدار السنوات التسع التي سيشغّل فيها بدر الملعب». وعن حجة الأخير بأن عملية إعادة التأهيل ستكلّفه مليون دولار بالحد الأدنى «يصعب استرجاعها في 9 سنوات»، يلفت هؤلاء إلى أنه «مقابل المليون دولار سيستفيد نادي الأنصار من التدريب ولعب المباريات على أرض الملعب، ناهيك عن استفادته شعبياً كنائب أعاد إحياء ملعب الطريق الجديدة وأعاد نادي الأنصار إلى المنطقة». وإلى ذلك، هناك المنفعة المادية التي يتيحها العقد الذي ينص أحد بنوده على «استخدام الملعب لأنشطة رياضية وترفيهية ومدنية وثقافية…»، مع إمكان تأجير أرض الملعب لتنظيم معارض وحفلات وعروض وإقامة أكواخ وغيرها، وهو عمل مارسته سابقاً شركات على علاقة بالصادق واستفادت منه بمئات آلاف الدولارات من بلدية بيروت تحديداً.
وفيما تنص مقدّمة العقد على أن العقد هو «على سبيل التسامح» كون الأنصار نادياً رياضياً لا يبغي الربح، يسمح البند الثامن لبدر بالتعاقد مع شركات خاصة للتشغيل والإدارة، وتأجير مساحات للإعلانات بمعنى تلزيم أجزاء من الملعب لشركات تبغي الربح، ما يعني منفعة مالية متبادلة بين بدر والشركات. ويصرّ المعترضون على منع بدر من استيفاء إيراد من الملعب إلا ويكون للبلدية حصة فيه. وهو ما يراه بدر غير ممكن، إذ إن «استخدام الصالات سيكون لأنشطة تثقيفية وتدريبية اجتماعية بالمجان، أما كل ما نجنيه من الستاد الرياضي من رسوم دخول وإعلانات وغيرها فيذهب إلى اتحاد كرة القدم ولتغطية المصاريف التشغيلية للملعب وصيانته».
كذلك يشير المعارضون إلى أن البند الخامس من العقد يمنح بدر ملكية الأصول المتحرّكة وحق سحبها، كمكيّفات التبريد والحواسيب وغيرها، «ما يفقده صفة عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص (BOT) الذي بموجبه تسترد الدولة المنشأة بكل تجهيزاتها من المستثمر بعد انتهاء مدة العقد». كما يخلو العقد من الضوابط التي تمكّن البلدية من مراقبة كيفية الاستثمار والإنفاق الاستثماري، «وخصوصاً بعد التجارب المرّة مع نادي الغولف وسباق الخيل».
بالنسبة إلى بدر، فإن «أحداً لن يقدّم للبلدية أفضل من هذا العقد»، مؤكداً أنه يضع الملعب البلدي في تصرّف كل الأندية الرياضية اللبنانية وليس حصراً الأنصار «الذي يلعب اليوم مبارياته كنادٍ بيروتي في ملاعب خارج بيروت». ويرد الرفض إلى خلفيات سياسية، متحدّثاً عن إثارة معارضيه للقضية مع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري أثناء زيارته لبيروت في شباط الماضي. وبحسب رواية بدر، طرح الحريري تلزيم النادي لرئيس جمعية «بيروت للتنمية» أحمد هاشمية، مشيراً إلى أن الأخير «غير مهتم في الأصل، وفي حال التزم التشغيل ولم يُعِد إحياء الملعب سأقف في وجهه».