هناك سؤال تاريخي عن العلاقات التاريخية التي تربط بين الإخوان المسلمين وبين آية الله الخميني.
بكل بساطة العلاقات بين الطرفين هي علاقة التطرّف الشيعي والتطرّف السنّي هذا أولاً…
ثانياً، كل فريق عنده مشروع وهو مشروع للحكم تحت ستار: «دولة إسلامية».
فالإخوان المسلمون يريدون أن تكون الدولة دولة إسلامية، أي أنّ الحكم فيها للإسلام.
أمّا آية الله الخميني فإنّ عنده مشروع الدولة الإسلامية، ولكن مع مشروع آخر هو أن تصبح جميع الدول الإسلامية التي أغلبية مواطنيها من السنّة دولاً شيعية. وهذا الشعار الذي رفعه آية الله الخميني عندما عاد الى طهران بطائرة فرنسية وبرعاية أميركية وتخطيط وتنفيذ أميركي، حيث بقي في باريس مدة كي يتحضّر للعودة الى طهران. وكان كل نهار جمعة يقوم هو وفريق العمل الذي وضع بتصرفه بنشر «كاسيت» عن خطاباته التي يدعو فيها الى نشر دولة الإسلام والمهدي المنتظر و»قلب» الأنظمة التي لا تكون تحت راية الشيعة وولاية الفقيه.
عاد الإمام آية الله الخميني الى طهران وخلع الشاه، ولم ترضَ أي دولة في العالم أن تستقبل الشاه المخلوع بالرغم من أنه كان مريضاً جداً، إلاّ مصر، حيث أعد الرئيس أنور السادات له استقبالاً كبيراً كما يُسْتَقْبَلُ الملوك… ومات الشاه بعد فترة قصيرة وهو في مصر.
بعودة آية الله الخميني الى طهران كان هناك عنده مشروع هو «سرقة علم فلسطين» كي يُسْتَعمل في التظاهرات التي ينوي القيام بها، كي يقول إنه يريد تحرير القدس… وهذا كان ولا يزال أهم موضوع عند المسلمين في العالم العربي وفي العالم، ومن أجل ذلك أنشأ ما يُسمّى بـ»فيلق القدس» وعيّـن اللواء قاسم سليماني التابع للحرس الثوري قائداً للفيلق.
ثانياً، أقفل سفارة إسرائيل وأقام مكانها سفارة فلسطين، وهكذا فإنّ أول سفارة لفلسطين في العالم كانت في طهران. والمفارقة العجيبة الغريبة انه فتح سفارة لفلسطين بينما لا يوجد مسجد واحد لأهل السنّة.
ثالثاً، كانت أهم أعمال هذا الفيلق هو دعم الميليشيات المتطرفة في سوريا ولبنان واليمن من خلال الحوثيين، والأهم الميليشيات في العراق.
رابعاً، إنّ هذا الفيلق الذي اسمه فيلق القدس لم يقم بأي عمل لتحرير القدس.
خامساً، يوجد عند الحزب التابع لفيلق القدس 150 ألف صاروخ لم يطلق منها صاروخاً واحداً في تاريخه من أجل تحرير القدس، وهذا لافت للنظر.
بالعودة الى تاريخ العلاقات بين الإخوان المسلمين وبين آية الله الخميني فقد ظهرت تفاصيلها:
في خريف العام 2019 حين نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تفاصيل اجتماع جرى بين الحرس الثوري الإيراني وتنظيم الإخوان. وكان من بين بنود الاجتماع: الاتفاق على العمل معاً ضد مصر والسعودية والإمارات، وكان من ضمن الاتفاق أيضاً تقاسم السلطة بين الإخوان والحوثيين في اليمن..
أما تفاصيل هذه العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وإيران فتعود لعقود طويلة. وقد تكون أول علاقة بين الطرفين عائدة الى زيارة الخميني في شبابه للقاهرة ولقائه حسن البنا وزيارته المركز العام للإخوان عام 1938… وجاءت الصداقة بين سيّد قطب ونواب صفوي بمنزلة نقلة كبيرة في التقارب بين الإخوان وإيران، وبين الأصوليين السنّة والأصوليين الشيعة. وقد كانت القاهرة ودمشق وبغداد محطات أساسيّة في التقارب. وفي دمشق اشتكى مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين الى نوّاب صفوي أنّ بعض شباب الشيعة ينضمون الى الحركات القومية العربية. فما كان من نوّاب صفوي إلاّ أن صعد أحد المنابر وقال أمام عددٍ كبير من الشباب السنّي والشيعي: «من أراد أن يكون شيعياً حقيقياً فلينضم الى صفوف الإخوان».
ولقد امتد التقارب الشيعي – الإخواني من مصر وسوريا الى العراق. وحدث في عام 1960 أن رشح الإخوان ناشطاً شيعياً لرئاسة حزبهم وهو طالب الرفاعي، أحد مؤسّسي حزب الدعوة المعارض لنظام عبدالكريم قاسم.
كذلك وقف الإخوان الى جانب ثورة الخميني، وأوفدوا مجموعة منهم لزيارة الخميني في طهران فور وصوله إليها. وكان يوسف ندا قد قام باستئجار طائرة خاصة نقلت وفداً من الإخوان الى هناك، والتقى الوفد رئيس الحكومة الايرانية مهدي بازركان، وأكد دعم الجماعة للخميني.
أمّا الإخوان في الكويت فقد أصدروا بياناً أعلنوا فيه تضامنهم مع الخميني، كما أيّد الإخوان في تونس ثورة الخميني وسمّوه بالمسلم المقدام. وفي لبنان وصف فتحي يكن مسؤول الإخوان الخميني بأنه «مجدّد الإسلام».
وتذكر بعض المصادر أنّ الإخوان المسلمين قد عَرَضوا على الخميني أن يعلن الخلافة، وأن يكون هو خليفة المسلمين، وكان ذلك عام 1979.
وحين جاء خامنئي ظلت علاقة الإخوان به كما كانت مع الخميني، لكن الظروف تغيّرت، وفقدت الثورة الإسلامية الإيرانية جاذبيتها وصدقيتها.
وقد وجدت إيران في ثورة كانون الثاني المصرية عام 2011 فرصة كبرى لدعم تحالف إقليمي واسع ما بين الإخوان وإيران، وحين تولّى محمد مرسي السلطة في مصر كانت إيران أوّل دولة في العالم تهنّئ الرئاسة الجديدة بالفوز.
إنّ التقارب الشديد بين الإخوان وإيران بارز في كل المحطات التاريخية التي مرّت منذ تولي الخميني السلطة. ومع ذلك فإنّ إيران قد رفضت تماماً أي نشاط ديني سياسي للسنّة في إيران، فقامت الاستخبارات الايرانية بإعدام ناصر سبحاني عام 1990، وسجنت مفتي زاده لعشر سنوات، ما يشير الى ان إيران تريد تشييع السنّة حتى ولو كانوا من حلفائها المقرّبين.