لم ينسَ “الإخوان المسلمون” المصريون ما فعلته غالبية الشعب في بلادهم والجيش كما يعتقدون، بالتجربة الأولى لحكمهم بعد ثورة 25 يناير 2011. ولم ينسوا كيف سُجِن الرئيس المنتمي إليهم محمد مرسي وعدد كبير من قادتهم، وإخضاعهم لمحاكمات “غير نزيهة”. ولم ينسوا أيضاً تعمُّد الحكم المنبثق من ثورة 30 يونيو إلصاق تهمة الإرهاب بهم مستغلاً ممارسة جماعات إرهابية معروفة في سيناء قبل الثورتين وبعدهما، ومن تحوُّل ليبيا والسودان مصدِّرين لإرهابيين إلى مصر بغية ضرب استقرارها. وقد عبّروا عن عدم نسيانهم باستمرارهم في الشارع مجتمعين ومتظاهرين. لكن الرأي العام المصري والعربي ظنَّ، وبعدما قام “نظام” جديد برئاسة المشير عبد الفتاح السيسي أنهم تعبوا بدليل التضاؤل المنتظم لتحرُّكهم في الشارع بحيث بدا أنهم تكيّفوا مع الواقع الجديد، وأنهم ينتظرون فرصة أو وساطة تقنع السيسي برفع الحَظِر عن نشاطهم السياسي.
لكن هذا الظن لم يكن في محله. ذلك أن ذكرى 25 يناير كانت فرصة لـ”الإخوان المسلمين” كي يظهروا أن استسلامهم غير وارد، وأنهم وأنصارهم لا يزالون معبأين ضد “العسكر” وحكمه الجديد، وأنهم لا يخافون النزول إلى الشارع في مصر كلها وإن كلَّفهم ذلك ضحايا، ليس في القاهرة وحدها بل في محافظات مصرية عدة.
هل يعني ذلك أن “الإخوان المسلمين” المصريين لم يتعلَّموا من تجربتهم الماضية، ولم يجروا تقويماً لها، وأنهم لا يعملون جدياً لتنقية صفوفهم ولإزالة أسباب فشلهم تمهيداً لمتابعة العمل تحت الأرض أو فوقها بموافقة السلطات المصرية أو من دونها؟ وهل يعني ذلك أيضاً أن “إخوان” الدول الأخرى لم يُجروا مراجعة لتحرُّكهم ومخططاتهم، ولم يخرجوا بنتائج تمكِّنهم من تلافي تكرار المفاجآت السلبية التي حصلت معهم؟
المعلومات المتوافرة عند عدد من متابعي “الإخوان” وحركتهم من عرب وغربيين تفيد أن النقاش الكثيف والساخن أحياناً داخل تنظيمهم المصري، وأن انتخاب تنظيمهم السوري قيادة جديدة له، ربما يكونان مؤشرين مهمين لدخولهم مرحلة درس “الربيع العربي”، وأخذ العبرة من كل ما حفل به من أحداث. ولذلك قد يكون مفيداً إلقاء نظرة على ما يجري في صفوفهم لمعرفة قدرتهم على الإفادة من الماضي لإثبات جدارتهم السياسية حاضراً ومستقبلاً.
في مصر يدور “النقد الذاتي” حول أسباب فشل “الإخوان” في السنوات الـ4 الماضية الذي أدى إلى عزلهم، وقد ألّفوا “مكتب أزمة” في تركيا خلال الشهر الجاري. وأهميته أن انتخاب أعضائه أظهر انحسار دور التقليديين من القيادات لحساب الشباب والمحدِّثين. وبعد ذلك شكّلت “سكرتاريا عامة” من سبع قيادات “إخوانية” مقيمة في قطر وتركيا والسودان وماليزيا. وبدا بوضوح أن تركيبتها إصلاحية. وقد قال عضو فيها إن المطلوب ليس البحث فقط في “الخط السياسي” للرئيس مرسي ورفاقه بل أيضاً في القواعد – القوانين الداخلية التي جعلت “الإخوان” جسماً صلباً جداً ومشلولاً. وعبّر آخر عن أمر مشابه بالدعوة إلى أن يكون التغيير داخل الجماعة عميقاً وواسعاً، وإلى أن تجري الانتخابات في وقتها وعدم التذرع بالأسباب الأمنية لإرجائها.
هل من دور “إخواني” تقوم به قطر حالياً؟
كان متوقّعاً، يجيب المتابعون أنفسهم، أن تقدِّم مبادرة لمصالحة “الإخوان” المصريين مع الحكم الجديد في بلادهم. لكن بدا لها أن النجاح في ذلك يقتضي مزيداً من الوقت لأن الفريقين لا تزال مواقفهما متباعدة بل متناقضة. علماً أنها رفضت حتى الآن إخراج قادة منهم مقيمين فيها أو طردهم منها، كما رفضت العمل مع مصر (السيسي) لإنهاء النشاطات الدولية للجماعة.
وفي سوريا انتُخبت قيادة جديدة لهم نافس فيها “الشباب” الشيوخ والتقليديين وخصوصاً على موقع القائد. لكنهم خسروا بفارق صوتين فقط، ونجحوا في إثبات أن لهم حضوراً وازناً تنظيمياً وشعبياً. وفي الأردن عادت الخلافات إلى الاحتدام بين جناحيْ حركة “الإخوان” الأردني والأردني – الفلسطيني.
في النهاية يرى المتابعون إياهم أن نجاح النقاش “الإخواني” يتحقق بتناول الأيديولوجيا وبتحديد معنى “الأمة”. ذلك أنه أحياناً يعني تجاوز الدول وحدودها الجغرافية وتجاهل الحدود. وهذا أمر له أعداء كثر في العالم الإسلامي وخارجه، كما له مؤيدون. وذلك لم يبدأ بعد إذ إن تركيز النقاش هو على البنية التنظيمية.