لم يكن المشهد مألوفاً، بل كان مستغرباً إلى أبعد الحدود، أقله لمن لم يكن يدرك المتغيرات التي طرأت على هيئة العلماء المسلمين في لبنان في الآونة الأخيرة. فمشايخ الهيئة الذين تصدروا لفترات الساحة السنّية ووسائل الإعلام بخطاب طائفي ومذهبي حاد، توافدوا الأحد الماضي إلى صناديق الاقتراع لانتخاب هيئة مكتب تنفيذي في طرابلس، وفي بقية المناطق، في مشهد ديموقراطي بدا غريباً على عمل الهيئة التي كانت تشكل مكاتبها في المناطق إما بالتوافق وإما بالتعيين.
في مقر الجماعة الإسلامية، أحد مكونات الهيئة، في منطقة الضم والفرز، حضر أكثر من 60 شيخاً يمثلون نحو نصف أعضاء الهيئة الناخبة في طرابلس، بهدف انتخاب 7 أعضاء في المكتب التنفيذي من بين 15 مرشحاً، وسط أجواء تنافسية لم تنجح المساعي في تفاديها والتوصل إلى لائحة توافقية تفوز بالتزكية، كما جرى في أكثر من منطقة أخرى.
لوائح الشطب كانت جاهزة، وكذلك صناديق الاقتراع والمندوبون والعازل الانتخابي، بينما كان رؤساء الأقلام يعمدون إلى المناداة بالأسماء على كل شيخ لممارسة حقه في الاقتراع وانتخاب ممثله، وسط غياب اللوائح المعلبة، وسيادة التشطيب على نطاق لافت. وظهر ذلك في عمليات الفرز على شكل لوائح غير مكتملة، قبل أن تعلن النتائج ويتم التصديق عليها، في حضور رئيس الهيئة الشيخ أحمد العمري، ورئيس مجلس الشورى الدكتور أبو بكر الذهبي، ورئيس المكتب التنفيذي الشيخ خالد العارفي.
مصادر الهيئة
تؤكد عدم خوض الانتخابات النيابية بمرشحين باسمها
وتضم الهيئة أحزاباً وتيارات وحركات إسلامية مختلفة المشارب، من بينها من لا يؤمن بالانتخابات والديموقراطية وتداول السلطة، ما فُسر على أنه «تطور نوعي» في فكر الهيئة وعملها، بينما رأى آخرون أنه «ليس أكثر من عملية تجميل شكلية بعد الاتهامات العديدة التي وجهت سابقاً إلى بعض أفرادها ورموزها بالتورط في أحداث أمنية والتحريض الطائفي والمذهبي».
مصادر في الهيئة أوضحت لـ«الأخبار» أن «الانتخابات هي محطة انتقال من مرحلة التأسيس إلى مرحلة المأسسة»، نافية أن تكون الانتخابات مخالفة للشريعة، أو أن تكون «دلالة على اندماج الهيئة وذوبانها في النظام اللبناني، فهي أصلاً ليست بعيدة عنه، ولطالما كانت تنشد العدالة ورفع الظلم إلى جانب تطبيق القوانين».
وعما إذا كانت الانتخابات داخل الهيئة «بروفة» لمشاركتها في الانتخابات النيابية المقبلة، أوضحت المصادر أن الهيئة «تضم جماعات وأحزاباً وحركات إسلامية مختلفة، بعضها شارك في الانتخابات النيابية السابقة، كما أعلن أنه سيشارك في استحقاق 2018، كالجماعة الإسلامية تحديداً. لكن إعلان الهيئة ترشيح شخص باسمها أمر لم يتبلور بعد، رغم أنها ستدعم مرشحين منضوين في حركات وأحزاب مشاركة في الهيئة، كما فعلت في الانتخابات البلدية العام الماضي».
الشيخ بلال النعوشي الذي اتنتخب رئيساً للمكتب التنفيذي للهيئة في طرابلس، قال لـ«الأخبار» إن «الانتخابات استكمال لعمل الهيئة التي قدمت الكثير من أجل لبنان، وأسهمت بجهدها وعطائها في تأليف القلوب وتوحيد الجهود، وكان لها دور إيجابي انعكس على أهل السنّة في لبنان». ورأى أن «الهدف من الانتخابات تشكيل هرمية معينة ليكون لكل فئة دورها ضمن الهيئة، وفق نظامها الداخلي بعيداً عن الفوضى».