حتى الخميس الماضي، كانت لائحة حركة «أمل» ـ «حزب الله» في بيروت الثانية قد حسمت في أمرين أساسيين على الاقل، الأول بات نافذاً ويتعلق بتوزيع المقاعد في كل دوائر لبنان بينهما، والثاني يختصّ بتحالفات اللائحة في بيروت الثانية، وهو في جزء منه، لا يزال معلقاً في انتظار مشاورات اللمسات الاخيرة عليه (ترشيح عضوين من حركة «بدنا نحاسب» ـ حركة الشعب، سني وأرثوذكسي) من جهة، والجزء الثاني يتصل بانضمام جمعية المشاريع الخيرية (الاحباش) للائحة «أمل» و»الحزب» في بيروت الثانية.
لقد استمهل «الاحباش» (يقدّرون بـ 7 آلاف صوت) «حزب الله» وقتاً إضافياً لحسم قرارهم. ويرسم استمهالهم ظلالاً من الشكوك الأولية لدى الحزب في شأن أن يكون سبب ترددهم هو تخوّفهم من أنّ انضمامهم الى لائحة الحزب، قد يعرّض مصالحهم في الخارج لعقوبات دولية.
والواقع انّ الحزب، يتحسّب، في إطار استعداداته لمعركته الانتخابية، لإمكانية ان تطبّق الدول المعادية له شيئاً من أساليب «حربها الإقتصادية الناعمة» ضده في مناسبة الانتخابات، وذلك عبر التهويل على حلفاء تقليديين له بأنهم سيتعرضون لعقوبات في حال انضمّوا للوائحه.
الأمر المحسوم الآخر يتعلق بمبدأ تشكيل لائحة مكتملة في بيروت الثانية من 11 نائباً، فيها مرشّح من «أمل» وآخر من «حزب الله» عن المقعدين الشيعيّين المخصّصين لهذه الدائرة.
السؤال الذي لفت نظر مراقبين حول هذه النقطة، هو السبب الذي دعا الحزب و»أمل» الى تبنّي استراتيجية لائحة مكتملة في بيروت الثانية، بدلاً من ترك فراغات فيها، كرسالة للحريري مفادها أنّ الحزب سيستمر أيضاً لمناسبة الانتخابات النيابية، في تطبيق سياسة إحتوائية متفهّمة لمعادلة الحريري السياسية الراهنة.
فكان المتوقع أن لا يعمد الحزب إلى تشكيل لائحة لخوض معركة محاولة كسر الحريري في بيروت التي لها بالنسبة إلى الأخير رمزية ذات صِلة بحرب الأحجام ضده.
إجابة المصادر القريبة من الحزب تفيد أنّ تشكيل لائحة مكتملة في بيروت تندرج ضمن استراتيجية أشمل، وتجسّد رؤية الحزب لما يريده من هذه الانتخابات، خصوصاً في ظل ما يدور من كلام سياسي في كواليس داخلية خارجية مفاده أنّ الحزب يريد كسب ثلث او ثلثي مقاعد المجلس.
علماً أنّ الحزب حدّد استراتيجيته لجهة ما يريده من هذه الانتخابات، ويتلخّص بالآتي: الهدف الاساس هو الاحتفاظ مع شريكه الشيعي (حركة «أمل») بحجميهما التمثيلي الشيعي الكامل في مجلس النواب، أي نيل 27 نائباً من أصل 27.
ويأتي هذا القرار في إطار ردّ «حزب الله» على تحدي «الحرب الناعمة الدولية والعربية» ضده، والتي يتوقّع الحزب انها ستتعاظم في قابل الاشهر، وأنّ اخطر اهدافها، من وجهة نظره، هو سعيها الى «إبعاد بيئته وقاعدته الاجتماعية عنه» وذلك عبر تهديدها بمصالحها فيما لو أظهرت أي نوع من ولائها له.
ويحرص الحزب، ضمن هذا الهدف الاساسي، أن تظهر نتائج الإنتخابات عمق التزام قاعدته الإجتماعية بخياراته السياسية الداخلية، وبخياره المقاوم. وليس مصادفة انّ الحزب صمّم شعار حملته الإنتخابية «نحمي ونبني»، على نحو يجيب عن سؤالَي الانماء الداخلي والمقاوم.
أمّا في شأن موقع حلفائه في استراتيجيته الانتخابية، فإنّ الحزب قرّر عدم اعتبار إدخال حلفائه الى الندوة البرلمانية، بمثابة أحد الاهداف الاساسية لما يريده من هذه الانتخابات، ومضمون قراره بالحرف هو أنه لا يسعى الى حصد رقم معين من المقاعد لهم، بل هو سيكتفي بإتاحة فرص الترشّح لهم، ولا يخطط لأن تُسفر الانتخابات عن اي نتائج رسمها سلفاً، على هذا الصعيد.
والترجمة العملية لهذه الاستراتيجية بشقّيها الخاص بالحجم التمثيلي الشيعي وبتمثيل الحلفاء، تعني أنّ الحزب سيكون مهتماً بدرجة اولى بأن يحصد له ولحركة «أمل» المقعدين الشيعيّين في بيروت الثانية.
وفي جبيل سيكون معنياً بإزالة الإلتباس عن الهوية السياسية للنائب الشيعي هناك، بمعنى أنه لن يرشّح هذه المرة شخصية شيعية مشتركة بينه وبين «التيار الوطني الحر» كحال النائب الحالي عباس هاشم، بل سيرشّح شخصية شيعية واضحة الولاء له (من آل عواد)، على ان تلتحق بكتلته النيابية في حال فوزها في الإنتخابات.
ويعني ما تقدّم انّ هدف حفاظ الثنائي الشيعي على حجمهما التمثيلي الشيعي الكامل أو شبه الكامل، في البرلمان المقبل، له اولوية اساسية، وما بعده من اهداف تخصّ جهد الحزب لتمثيل حلفائه سيأتي في مرحلة التكتكيك داخل استراتيجيته الانتخابية.
وانسياقاً مع هذه الاستراتيجية، بدأ الحزب استعداداته للمعركة الانتخابية الراهنة من نقطة إتمام هندسة لائحته المشتركة مع حركة «أمل»، معتبراً انّ هذه الخطوة هي الاساس في خوضها.
ويوم الخميس ما قبل الماضي أنجزت خريطة توزيعة تقاسم المقاعد الشيعية في كل دوائر لبنان بينهما، وبموجبها تمّ تخصيص 13 مقعداً لـ«أمل» في مقابل 13 مقعداً للحزب، وبقي مقعد شيعي واحد في بعلبك لن تشمله المحاصصة بين الطرفين، ذلك أنّ لهذا المقعد الشيعي 27 حيثية خاصة داخل معادلة الثنائي الشيعي الانتخابية في لبنان.
فرغم انّ هذا المقعد مخصّص لـ«حزب الله»، الّا انّ الجهة التي تنتقي المرشح الشيعي عنه في هذه الانتخابات هي دمشق، بحسب ما تسرّب من وقائع نقاشات «أمل» و«الحزب» للاتفاق على أسماء مرشّحيهما في كل لبنان.
وفي هذه الانتخابات يولي البعض اهتماماً استثنائياً لمعرفة إسم مرشح دمشق عن المقعد الشيعي 27، كونه يؤشّر الى نياتها في شأن نظرتها الى ما تريده مستقبلياً حول طريقة إدارتها لحصتها داخل المعادلة الشيعية. وفيما يتردد انّ دمشق تفضّل ترشيح اللواء جميل السيّد عن هذه الدائرة، فإنّ وجهة نظر احد طرفي المعادلة الشيعية تفضّل ان يكون الخيار هو النائب الحالي عاصم قانصوه.
ويلاحظ في توزيعة المقاعد الشيعية التي أقرّت بين «أمل» والحزب، أنها تركت للحزب ثقلاً نيابياً في منطقة بعلبك على حساب «أمل» (4 نواب للحزب مقابل نائب لـ«أمل»)، وتركت في المقابل ثقلاً تمثيلياً لـ«أمل» على حساب الحزب في الجنوب (9 لـ«أمل» – 4 للحزب).
وتعكس هذه التوزيعة إستمرار التزام الطرفين روحية الاتفاق التأسيسي لعلاقاتهما التكاملية، والذي جاء بعد تفاوض بين طهران ودمشق نَظّم التنافس بينهما على الساحة الشيعية اللبنانية، وأنهى جولات العنف بين حليفهما داخلها.
وبموجب هذا التفاهم، أعطي للجنوب ولـ«أمل» دور التمثيل السياسي للشيعة داخل النظام السياسي اللبناني، فيما البقاع، وفي أساسه منطقة بعلبك، إعتبرت الخزّان البشري لمقاومة «حزب الله».
وعلى رغم انّ أدوار الطرفين، بحسب التوزيعة الاقليمية الأساسية، طرأ عليها مستجدات بعد الانسحاب السوري من لبنان، أفضَت الى دور سياسي للحزب في الداخل بالاضافة لدوره المقاوم، الّا انّ الطرفين لا يزالان في الشكل يحافظان على تقاسم وظيفة الأدوار بينهما، وأيضاً على تقاسم النفوذ في الديموغرافيا الشيعية، وذلك وفق نسخة توزيعتها الاولى التي كانت إقليمية بالدرجة الاولى.