Site icon IMLebanon

سرّ الثقب الأسود الذي  يبتلع زخم المبادرات الرئاسية!

تحوّلت اللعبة الرئاسية في لبنان الى ما يشبه التلاعب بأعصاب المرشحين وهواجس الناس، وزادت ثقلاً – لعله الأثقل – على كواهلهم وحياتهم اليومية ومصاعبهم المعيشية والأمنية والمصيرية. ومن حيث المبدأ لا يجوز اطلاق تسمية لعبة على قضية تلامس الكرامة الوطنية وبخاصة أن الرئاسة هي الرمز الأسمى الذي يجسّد وحدة الوطن والنظام والدستور وكل القيم الانسانية الأخرى المتعلقة بها. ومع ذلك فقد شاعت في لغة الخطاب السياسي كلمات مثل لاعب ولاعبين ولعبة وأدوار يمثلها السياسيون بدلاً من القول أدوار يقومون بها! وبمراجعة لسجل المراحل التي قطعها الشغور الرئاسي منذ نحو سنتين ونيّف، يتبين بوضوح ان المبادرات التي قام بها السياسيون تحوّلت الى بالونات رئاسية ملوّنة وجميلة، ولكنها ما أن تقلع لتستقر في قصر بعبدا، حتى يطالها دبّوس من حملة البوالين الأخرى، أو حتى من حامل البالون نفسه!

مبادرة الرئيس سعد الحريري باعلان انفتاحه على مبدأ ترشح العماد عون للرئاسة، قلبت الحالة السياسية في لبنان رأساً على عقب، واكتسبت زخماً استثنائياً لم تحظ به أية مبادرة أخرى من قبل، من الرئيس الحريري أو سواه… ثم فجأة عاد كل شيء الى الركود والسكون، وانتقل الخطاب السياسي من بداية وضوح، الى نوع من المغمغة والتأتأة والهمس! ومرة يعلو صياح لبننة الاستحقاق فينزل السياسيون الى ساحة النزال بالتصريحات والمواقف، ثم يدركون فجأة انهم ضحايا كذبة أطلقوها بأنفسهم وصدّقوها، ويعود العزف بعد ذلك على وتر البعد الاقليمي والخارجي، وكأن الرئاسة في لبنان هي أكبر من ان تترك للبنانيين أنفسهم! وبعدها يعود الاستحقاق الى نقطة البداية والى الصفر الذي انطلق منه، دون أن يعرف أحد سرّ هذه القطبة المخفيّة التي تمتصّ الزخم المفاجئ وكأنه يضيع في ثقب من الثقوب السوداء في الفضاء!

القطبة الحقيقية المخفيّة تكمن في هذا السؤال الذي يجدر بكل من العائلات الروحية اللبنانية طرحه على نفسها: أية عائلة ستكون الأكثر تضرراً اذا فرط لبنان كدولة وككيان وكوطن لا سمح الله؟ والجواب الصحيح هو: اذا تضرّرت عائلة واحدة ضرراً بنيوياً سينعكس ذلك على عائلات لبنان كافة وتكون النهاية، فلا يبقى وطن ولا تبقى رسالة! المكونات السياسية اختار كل واحد منها لوناً زاهياً ليكون شعاراً له: الأصفر والأخضر والأحمر والبرتقالي والأسود وما الى ذلك… فكيف أمكن رسم اللوحة اللبنانية بهذا القدر من البشاعة بألوان هي على هذا القدر من الزهو والجمال؟