بغضّ النظر عن الجهة التي قاتلت «داعش» أو ساهمت في نهايته، فإنّ هناك أسئلةً كبيرةً وعميقةً تُطرَح عن سرّ هزيمتِه بهذه الطريقة، وماذا حلّ بـ»جيوشِ المقاتلين»؟
لا شكّ في أنّ تنظيمَ «داعش» أرعب العالم، وساهمت «البروباغندا» الإعلامية التي أتقنها في التعريف عن نفسه بأنه أكبرُ تنظيمٍ إجراميّ شهده التاريخ البشري، وقدّ شكّل إحتلالُه عام 2014 مناطق شاسعة من العراق، ومن ثمّ تمدُّده في سوريا، علاماتِ استفهامٍ عن قوّته وتدريبه وتمويله ومشروعه السياسي والأطراف الإقليمية والدولية المستفيدة منه.
فرِح الشرقُ والعالمُ بقرب إنتهاء «داعش» رسمياً، ومع وصول القوات العراقية يدعمها التحالفُ الدولي الى الحدود السورية، وإقترابِ إعلانِ تطهير العراق منه، وتقدُّم القوات السورية في اتّجاه الحدود العراقيّة، بقي لغزُ إختفاء مقاتلي «داعش» بلا حلّ.
في الحروب بين الدول، عندما ينهزم جيشٌ نظاميّ، يوقّع إتفاقَ إستسلام، وتُعقد الصفقات، وقد يُحَلّ الجيش مثلما حصل مع الجيش العراقي بعد الإحتلال الأميركي عام 2003، فيذهب الجنودُ الى منازلهم ويُحاكَم القادةُ الكبار، أما في الحروب الأهلية مثل الحرب اللبنانية، فتُحَلّ الأحزابُ المسلّحة وتُسلّم أسلحتها الى الدولة، ويدخل عناصرُها الى مؤسسات الدولة، أو القطاع الخاص، ويختار بعضُهم الهجرة.
لكنّ «داعش» ليس جيشاً نظامياً أو ميليشيا مسلّحة، بل إنّ الداعشي كان يُصوَّر على أنه «ضبعٌ» يأكل البشرَ ويقطّعهم ويحرقهم. وقد يكون صحيحاً أنّه هُزم عسكرياً، لكنّ عناصره الذين قُدِّروا بعشرات الآلاف لم يُقتلوا جميعاً في المواجهات العسكرية ليُقال إنّ الأمر إنتهى بهم الى الهلاك، فأين إختفى هذا الجيش؟
وفي السياق، تؤكّد معلومات ديبلوماسيّة وإستخباريّة لـ»الجمهورية» أنّ «داعش» فقد أكثر من 95 في المئة من قوّته القتالية، فيما الخلايا النائمة موجودة وقدّ تتحرّك في أيّ مكان وزمان.
وبالنسبة الى إختفاء المقاتلين، فإنّ وضعَ العراق مغايرٌ تماماً لوضع سوريا، فأكثر من 90 في المئة من المقاتلين الداعشيين هم من أبناء المحافظات التي سيطر عليها «داعش»، والقسمُ الأكبر إنتمى الى التنظيم بفعل أنه «قوّة الأمر الواقع»، ومن أجل الكسب المادي، وبعضهم لأهداف سياسية ودينية، وعندما كانت تُنظّف البلدات من التنظيم كانوا يستسلمون ويعود قسمٌ منهم الى بلداته، وهؤلاء العناصر ليسوا متّهَمين بارتكابات، فيما المتّهَمون بالارتكابات سيحاكَمون، وقسمٌ من المقاتلين قضى في المعارك».
وتشير المعلومات الى أنّ «عدد المقاتلين الأجانب قد انخفض منذ أكثر من سنة بعد بداية أفول نجم «داعش»، وهم قد غادروا العراق الى بلدانهم أو إلى أماكن أخرى، فيما الشباب العراقي عاد الى بيئته وبلداته».
أمّا عن بقية الأجانب، فتتحدّث المعلومات عن أنّ «معظم الأفغان الذين إنضمّوا الى «داعش» كانوا موجودين في إيران، وبما أنّ إيران موجودة في العراق وسوريا، فكان هناك خياران، «إما قتالهم وتصفيتهم، أو إبرام التسويات معهم، وهذا الأمر يحتاج الى معالجة طويلة».
وتؤكّد المعلومات أنّ «التمدّدَ الداعشي في سوريا كان أقلّ من العراق، ونحو 70 في المئة من المقاتلين أجانب، وهؤلاء إما قتلوا او إستسلموا للقوات السورية والإيرانية، وسُوِّيت أوضاعُهم خصوصاً السوريين منهم، فيما هناك مجموعات كانت تشغّلها تركيا وما زالت ناشطة، ولم يُحسَم مصيرُها بعد، في حين أنّ جهاتٍ إقليمية ودولية كانت تستثمر في التنظيم وقد هرّبتهم».
وتؤكّد مصادر عراقية لـ»الجمهورية» أنّ «العراق الذي بات شبهَ خالٍ من «داعش» يبحث عن حلٍّ لأوضاع العراقيين الذين انضمّوا إلى «داعش». وتشدّد على أنه «لا يمكن التعامل مع جميع العناصر على قاعدة أنهم مجرمون، فالدولة مُصرّة على محاكمة القادة الكبار الذين نفّذوا الجرائم، وبالنسبة الى الأفراد فإنّ تسوية أوضاعهم تُجرى على قدم وساق، خصوصاً أنّ هناك عقولاً كبيرة بعضها غير عراقي جرّت الشباب الى هذه الظاهرة، وقد اختفى معظمُها، وبالتالي فإنّ المصالحات الداخلية ستشقّ طريقَها، لكنّ هناك تحدّياً كبيراً هو الحرب ضدّ «الخلايا النائمة» ومَن يتبعُها».
في المحصّلة، فإنّ كشفَ أكثر من 80 في المئة من لغز إختفاء «داعش»، لا يعطي جواباً شافياً، لأنّ الـ20 في المئة المتبقّين هم الأساس، خصوصاً بعد هروب القادة الكبار للتنظيم وعلى رأسهم زعيمه أبو بكر البغدادي، وإختفاء سرّهم معهم، سرٌّ أرعب العالم، وهزّ الدول والكيانات، وساهم في نشر الفوضى، ونفّذ مخططاتٍ لا تزال مجهولةً حتّى اليوم.