IMLebanon

أسطورة النزاعات القديمة

لا نعرف ما اذا كانت اشارة الرئيس أوباما في خطابه عن حال الاتحاد الى ان الشرق الاوسط يمر في تحولات تاريخية لها جذور في نزاعات تعود الى آلاف السنين تعكس خطأ في تقييمه لهذه النزاعات أم تعكس موقفاً مدروساً – وخبيثا – يهدف منه الى تبرير عدم تدخله في هذه النزاعات لانه يعتقد ان حلها سيتطلب الكثير من وقته وجهده، وتالياً من الافضل القول إنها تستعصي على الحل لانها مستمرة منذ آلاف السنين أو لانها دينية وميتافيزيقية وحلها سياسياً مستحيل.

اسطورة النزاعات أو الاحقاد التاريخية اللاعقلانية قديمة نسمعها دوماً من السياسيين وحتى من بعض الذين يدّعون معرفة التاريخ بمن فيهم “خبراء” أو اكاديميون. سمعناها في سياق مناقشة الصراع العربي – الاسرائيلي الذي يحوله البعض الى الصيغة الجديدة لنزاع قديم بين اليهود والمسلمين، وسمعناها خلال الحرب العراقية – الايرانية والتي اعتبرها البعض – من عرب وايرانيين – التعبير الجديد عن صراع سني – شيعي، وعربي – فارسي مستمر منذ قرون. وفي السنوات الماضية، ومع احتدام النزاعات في سوريا والعراق واليمن وتدخل دول المنطقة فيها، باتت مقولة “النزاع السني – الشيعي” تستخدم لتفسير نزاعات هي في جوهرها سياسية وترتبط بالنفوذ الاستراتيجي والمصالح الاقتصادية.

اسطورة النزاعات القديمة تهدف الى إيجاد انطباع أن شعوب الشرق الاوسط تعيش خارج التاريخ، ولا تحكمها الاعتبارات التي تحكم سلوك وتصرفات الدول والمجتمعات الاخرى التي تتنافس وتتنازع على مصالح سياسية واقتصادية واستراتيجية، وان هذه النزاعات غير قابلة للحل، ولذلك من الضروري احتواؤها أو ادارتها وعدم هدر الوقت والطاقات لحل ما لا يمكن حله.

نزاعات الشرق الاوسط حديثة العهد، وبعضها بدأ قبل خمس سنوات مع نشوب الانتفاضات العربية، وهي سياسية في الجوهر. العرب والاسرائيليون لا يتنازعون على قضايا لاهوتية، بل يتقاتلون من أجل أوطان وهويات سياسية وعلى اراضٍ وحدود وموارد حسية وليست ميتافيزيقية. الحرب العراقية – الايرانية كانت على حدود متنازع عليها، وعلى بسط نفوذ سياسي ورغبة في الهيمنة على الخليج. طبعا النزاعات السياسية والاستراتيجية تحتاج في معظم الاحيان الى تبريرات ايديولوجية أو دينية أو قيمية . المسلمون واليهود ينبشون التاريخ والدين لأن هذا يسهل عملية تعبئة الناس، وتحديدا الشباب، للقتال. صدام حسين “اكتشف” الاسلام حين سمى غزوه لايران “قادسية صدام” وكتب بخط يده عبارة “الله أكبر” على العلم العراقي وكان يسمي الايرانيين “مجوساً” لتعبئة قاعدته. الايرانيون ردوا دينيا ومذهبيا ووضعوا خرائط لفلسطين والقدس في جيوب شباب “الباسيج” الصغار الذين كانوا يقتلون بالآلاف وهم يهاجمون الخنادق العراقية وكأنهم في طريقهم الى تحرير القدس.