تراودني منذ فترة رغبة الخوض في موضوع الجنرال ميشال عون المشبوك بتعقيدات وتعجيزات ليس من السهل فك رموزها.
وها أنذا أفعل. والأصح إني أحاول بدقة متناهية، وبموضوعية، اكتشاف الأبعاد غير المرئيَّة، أو غير المعلنة، لـ”العقدة الأم” التي تكربج الفراغ الرئاسي نتيجة موقف الجنرال بصورة عامة من الاستحقاق وترشيحه الذي لا لُبس فيه.
إنما، تداركاً للقيل والقال والتفسيرات المخطئة، أسارع الى الاعلان أني لا أتدخَّل في أمور أو رغبات شخصيَّة. فمن حق الجنرال أن يطمح الى الرئاسة بالطريقة التي يريدها. ولا يجوز لفرد أو جماعة التدخل في تطلعاته السياسيّة والزعاميّة والجماهيريَّة غير المحدودة. حتى إذا تجاوزت البرّ والبحر معاً.
هذا من تحصيل الحاصل. لبنان بلد ديموقراطي والحرية تحتلّ البند الأول في النظام والدستور والميثاق. وزعيم “تكتل التغيير والاصلاح” مواطن لبناني منذ أكثر من عشر سنين طبعاً، فله أن يحلم ويسعى لتحقيق ما يصبو إليه. البعض يعتقد أنه حقَّق الكثير مما يشتهيه كبار السياسيين، وعلى مختلف الصعد، وفي شتى الحقول، ومما يتمناه العديد من زعماء الطائفة المارونيّة التي أعطيت لها الرئاسة، فكان إن أوصلوها الى بحر الفراغ، وبحر القلق والأسئلة الحائرة، وبحر الضياع.
وهنا يعود بنا التاريخ الى الأندلس. فبعد ضياغ غرناطة آخر المعالم الأندلسيَّة، وجدت الأميرة عائشة ابنها عبدالله الصغير ينتحب، فقالت له: إبكِ كالنساء ملكاً لم تحافظ عليه كالرجال.
يعترف خصوم الجنرال بأنه لا يستند الى الشهوة والطموح وحدهما، فلديه ما ليس لدى الآخرين، وتاريخه يحمل حتى الساعة صفحات من الصراعات التي لا تخلو بمعظمها من “عامل الرئاسة” والوقوع في غرامها. وهذا أمر مشروع.
لا نريد أن نقتل الناطور ولا أن نأكل عنباً. نحاول فقط أن نكتشف مدخلاً الى احتمالات حلول ممكنة في هذا المضمار. وبأية وسيلة، وكيف، ومتى، وعلى أية أسس.
يقول الخصوم إن الجنرال أخطأ بحق لبنان سابقاً ولاحقاً ولا يزال، وعرَّضه و”الطائفة” لحروب وأزمات وأثمان باهظة، وخسائر فادحة، كانت حصة لبنان منها هي الكارثة بعينها.
المسألة ليست هنا الآن. فالجنرال المرشّح للرئاسة حليف “حزب الله”. والحزب ابن ايران. وايران متهمة بطموحات لا تحصى في المنطقة. ولبنان في قلب المنطقة، وبديهي أن تطرطشه التحالفات الايرانيَّة وتوصله الى ما هو عليه اليوم.
والأزمة تراوح بين مطرقة ترئيس عون أو شاكوش الفراغ المفتوح. والجميع مقتنعون أن لا حلَّ من دون موافقة الجنرال. إذاً لا بدَّ من فتح أبواب أخرى تطلُّ على التواصل والحوار معه، بكل انفتاح وصراحة حول الاحتمالات والمخارج الممكنة.
بما أنه لا يُفتى ومالك في المدينة، فإننا نتوجَّه الى حكيم لبنان الرئيس نبيه بري: أيُفتى ونبيه في المدينة؟