Site icon IMLebanon

متى تتحوّل نعمة الإسم نقمة على صاحبها؟

 

تشابُه الأسماء مصيدة تجتذب المشاكل

 

أن تشبه نجماً محبوباً فهذه ميزة تتباهى بها، أما أن تحمل اسمه فتلك مشكلة تورطك في متاعب كثيرة وإن لم تخلُ من بعض الفضائل أحياناً. أما أن تحمل إسم سياسي معروف فتلك علقة لا خلاص لك منها ومصيبة تقع على رأسك في أيام السلم كما في الأزمات. تشابه الاسماء بين المشاهير والعامة صدفة ليست دائماً حلوة، بل انها كثيراً ما تخبئ لأصاحبها مفاجآت غير سارة.

في قرانا اللبنانية حيث العائلات معروفة ومحدودة غالباً ما يحمل العديد من أفرادها الإسم نفسه والكنية ذاتها وإن اختلف “الجب” على رأي الأجداد. وحين تخرج من إحدى القرى شخصية معروفة يصبح التشابه في الأسماء متعمداً ومفخرة يتباهى بها الأهل، علّ الحظ يصيب “سميّها” ويكون له نصيب من الشهرة. وقد يكون اختيار الإسم تكريماً لتلك الشخصية الفذة وترسيخاً لزعامتها. فكميل شمعون الرئيس الثاني للبنان بعد الاستقلال لا يزال صدى اسمه يتردد حتى اليوم عند الكثير من المواليد الذين ولدوا في عهده أو بعده، في بلدة دير القمر والبلدات الشوفية المجاورة. وأن يحمل أحدهم اليوم هذا الإسم فهو فخر له ورحمة يستجلبها على الرئيس الراحل كلما نودي باسمه علناً. فالرئيس كان ولا يزال محبوباً من الجميع ولم ينس أحد بعد شخصيته الفذة وحضوره الآسر. وبين كميل شمعون الحفيد وكميل شمعون مصمم الأزياء والصحافي تطول لائحة الأشخاص الذين سميوا تيمناً بالرئيس المحبوب وإن لم يحظ أي منهم بشهرته او يتمتع بكاريزماه.

 

الهوية الضائعة

 

ولكن إذا كان الأمر متعمداً في لبنان فهو في الغرب طبعاً ليس كذلك. فلا أحد هناك يؤلّه أهل السياسة او يسعى للتشبه بهم، وإن كان ثمة تشابه في الأسماء فيكون محض صدفة ليس إلا. فهل تظنون مثلاً أن أهل حي كوينز النيويوركي قد سارعوا الى تسمية أطفالهم باسم دونالد عندما انتخب هذا الأخير رئيساً وذلك تعبيراًعن دعمهم لإبن حيّهم ونكاية بهيلاري غريمته في الانتخابات؟ ولكن مع ذلك ثمة دونالد ترامب آخر، يحمل اسم الرئيس وكنيته لكنه طبيب أمراض سرطانية من فرجينيا يكبر الرئيس ببضعة اشهر فقط. وفي ظل اسوأ انقسام في تاريخ أميركا حول شخصية الرئيس وأهليته للحكم، يقول ترامب الطبيب إن أبشع ما في الأمر ليس ما يتلقاه من شتائم ورسائل حقد على صفحته الخاصة على تويتر بل اضطراره في كل مرة يعرّف فيها عن نفسه ويذكر اسمه أن يؤكد للجميع أنها ليست مزحة وأنه ليس منتحل صفة بل هو حقاً دونالد ترامب، حتى بات يشعر انّ هويته ضائعة وعليه إثباتها باستمرار وتحمل النكات السمجة المكررة حول الأمر. لكن ترامب الثاني استفاد من الأول حين كتب اليه وكان لا يزال رجل اعمال طالباً منه المساعدة في جمع التبرعات لمرضى السرطان ولبى الرئيس دعوته وكان لقاء بينهما لقاء وجد الطبيب فيه الرئيس إنساناً متواضعاً خلوقاً على خلاف الصورة التي يرسمها له الناس

 

الياس سركيس وشارل حلو

 

ولكن إن كانت هذه حال من يحمل اسم رئيس أميركا فكيف هي حال من يحملون اسماء السياسيين في لبنان؟ هل تتخيلون ما يعانونه من تعليقات الأنصار والمعارضين؟ وهل تتصورون حالهم بين الجموع المحبة والكارهة وعلى الحواجز الأمنية؟

 

يروي احدهم أنه في أيام الرئيس الياس سركيس واثناء الوجود السوري في لبنان أوقفه حاجز سوري في منطقة الأشرفية وسأله العنصر عن اسمه فأجابه: الياس سركيس فما كان من العنصر إلا ان نهره بغضب وحذّره من المزاح معه “عم بتنكت ولاه”… وفي وقت كان غضب العناصر يحسب له ألف حساب، كان على الشاب أن يبرز هويته ليؤكد للجندي الغاضب انه حقاً يحمل اسم الياس سركيس. ولكن إن كانت هذه المزحة قد قطعت على خير- رغم أنها لم ترق لعنصر الحاجز- فالثانية كانت كفيلة بأن تسبب لصاحبها وقفة في الشمس لساعات. فحين سأله العنصر نفسه عن اسمه وأجابه شارل الحلو اشتعل غضب سيّد الحاجز وأراد ان يثأر لهيبته التي تحدتها هذه المزحة السمجة. ومن كان يجرؤ في تلك الأيام على تحدي هيبة الحاجز؟ لذا كان على الشاب المذعور أن يؤكد بدوره كما صديقه انه يحمل اسم شارل الحلو الرئيس اللبناني الأسبق وان يثبت مراراً وتكراراً للعنصر، الذي يرفض الإقتناع بتكرار الصدفة، أنه تشابه اسماء ليس إلا.

 

بين الميشالين…

 

ومع رحيل الوجود السوري وتبدل صورة الواقع في لبنان صار لكل حزب أيقوناته ورموزه المقدسة وبقي تشابه الأسماء بينها وبين العامة يثير ما يثيره من حمية عند المحازبين وسخرية عند الخصوم. فأثناء المخيمات التي نصبت في وسط بيروت عام 2008 كانت الجموع الحزبية التابعة للتيار الوطني الحر تعتصم في المخيم الى جانب محازبي حركة أمل و”حزب الله” وكانت التغطية الإعلامية حينها لا تزال خجولة ووقف يومها أحد الزملاء المراسلين (الزميل بسام ابو زيد) ليعلن ان قداساً إلهياً سيقام في كنيسة مار جرجس يترأسه ميشال عون. وأثار الأمر بلبلة وهرجاً ومرجاً في أوساط المعتصمين، منهم من صدق بمجيء الجنرال يومها وهلّل للنصر، ومنهم من صب جام غضبه على المراسل الزميل متهماً إياه بالتطاول على الجنرال وبث أخبار مدسوسة. أما حقيقة القصة فهي أن الأب ميشال عون الذي صار اليوم مطراناً لجبيل هو من كان يترأس القداس والأمر كله ليس سوى تشابه اسماء بين الكاهن والجنرال. ولو كان الأمر عائداً الى حارة حريك والدامور لحسم بسهولة بين ميشال نعيم وميشال الياس… فهكذا كان يحل أمر تشابه الإسماء في الماضي حيث يستبدل اسم العائلة باسم الأب ويصبح سمير جعجع مثلاً سمير فريد وسليمان فرنجية سليمان طوني وإميل رحمة إميل جورج… فيما تبقى اسماء تتعالى فوق كل تشابه ولا تحتاج الى تفسير، أسماء بنسخة محدودة مثل نبيه بري او جبران باسيل. فهل تتخايلون مثلاً وجود جبرانين او باسيلين في بلد اثارت نسخة واحدة منه ثورة شعبية؟

 

وإذا كان الجدل قد حسم بين الميشالين، فإن في بلد يحمل رئيسه وجنراله ونوابه واساقفته كنية عون لا بد وان يستمر تشابه الأسماء وأن يخلق الكثير من اللغط والبلبلة والمشاكل.

 

نكتة مستهلكة

 

بعيداًعن اسمائهم المباشرة تبقى ملائكة السياسيين حاضرة في كل تشابه للاسماء. ويروي احدهم ويدعى شربل خليل ان اسمه كان يساعده على كسر الجليد فوراً بينه وبين الناس اينما حل فلا حاجة لأن يقوم بجهد للبدء بحديث بل يكفي ان يعرف عن نفسه ويذكر اسمه حتى تنطلق الألسن وحدها وتتكرر التعليقات ذاتها كل مرة حتى بات يستحلي ان يسمع شيئاً جديداً او حتى نكتة غير مستهلكة بخصوص الإسم والأنكى أنه كان مضطراً الى الضحك والتجاوب في كل مرة حتى لا يحرج المعلق. ولكن مؤخراً ومع تنامي معاداة قسم من الناس للمخرج المعروف بتعليقاته اللاذعة بات الإسم مشكلة بحد ذاتها ولعنة تلاحق صاحبها على تويتر والفيسبوك لا سيما وان الناس في ايام الثورة محقونة غاضبة وتنتظر فرصة لتهاجم كل من يعارض وجهة نظرها. ومعظمهم لا يدققون جيداً بصورة البروفايل يبحثون عن الإسم وينهالون بالشتم والسباب من دون التأكد من صاحبه. يعترف خليل قائلاً: كنت مثل عشرات شباب أعالي كسروان أحمل اسمي بفخر، اليوم صرت أتردد في قوله خشية ان أكون في وسط معاد. فقد كنت في احد المقاهي منذ يومين وصرخ النادل منادياً باسمي ليعطيني فنجان قهوتي هتفت مجموعة من الشباب الموجودين هناك بأعلى صوتها: ثورة ثورة…

 

ربيع الزين

 

أما ملك جمال لبنان السابق ربيع الزين فقد عانى ما عاناه عبر مواقع التواصل الاجتماعي بسبب تشابه الأسماء بينه وبين الناشط المثير للجدل في الثورة ربيع الزين. فخلال مشاركته في حملة “دفا” صرح ملك الجمال لتلفزيون الجديد أنه كان خارج لبنان عندما بدأت تنهال عليه اتصالات الاستفهام لتستعلم عن موقفه من الثورة ولم توفره مطلقاً اتصالات الشتم والتعليقات الشاجبة والمؤيدة لموقفه من الثورة في حين أنه كان بعيداً عن كل هذه الأجواء. ومع عودته الى لبنان فهم أن تشابه الأسماء هو ما تسبب بكل هذه الهمروجة. وحول أوجه الشبه بين حاملي الاسم رفض ربيع أن يعطي رأيه بالناشط الذي يحمل اسمه او بعمله لأنه لا يعرف حقيقة نشاطه في حين أنه شخصياً معني بالمواطنة والأعمال الإنسانية أكثر من اي انتماء حزبي.

 

هذا غيض من فيض تشابه الأسماء وما تورط أصحابها فيه من قصص ومشاكل على الصعيد السياسي. ولكن ماذا عن الصعيد الفني؟ هل أصبح الاسم مثار فخر عند اصحابه أم يمكن ان يسبب لهم أيضاً بوجعة رأس؟

 

هي ليست نسخة عن صباح الفنانة الكبيرة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس لكنها سميت صباح تيمناً باسمها وحباً بها وكان الأهل والجيرة ينادونها الصبوحة حتى طغى اسمها على كنيتها. وتقول صباح أنها حين كانت تدخل منزل أحد المعارف كان الجميع يستقبلونها قائلين: إجت الصبوحة. فتسود إثارة بين ضيوف البيت والغرباء عنه لرؤية الشحرورة بشحمها ولحمها. ولكن تضيف صباح: بت معتادة على رؤية الخيبة في عيون الناس حين يرونني، فبعد ان كانوا يتوقعون ان تشرق عليهم شمس الصبوحة إذا بهم يرون سيدة “متختخة” مهلهلة شتان ما بينها وبين الشحرورة. ولكن حتى في عز الصبا أكثر ما كان يقهرني قول الناس بعد ان يرونني: شو جاب لجاب… هيدي صباح وهيديك صباح!…

 

اما جورجينا فصبية ظريفة لطيفة على قدر لا بأس به من الجمال والدلال ولكن عقدتها الأزلية كانت ملكة جمال الكون جورجينا رزق فكلما أرادت أن تتدلل على أحد الأحباء كان الجواب الدائم: لا تكوني مفكرا حالك جورجينا رزق يا جورجينا..

 

هذا عندنا اما في الغرب فتروي إحدى الشابات وتدعى كايت ميدلتون أنها اضطرت الى الإدعاء على احد الفنادق لأنه اتهمها بانتحال صفة حين قامت بالحجز فيه باسمها واصفاً إياها بأنها تستغل اسم دوقة كامبريدج زوجة الأمير ويليام للحصول على معاملة خاصة في الفندق. أما المكسيكية جنيفر لوبيزفقد استغنت عن خطها الأرضي وألغت رقمها لأنها كانت تتلقى الكثير من اتصالات المعجبين في الليل كما في النهار ظناً منهم أنها المغنية الأميركية المعروفة جي لو.

 

تفاصيل لا تغني عن التحقيق

 

في بعلبك والهرمل تشابه الأسماء مشكلة تعرقل حياة عدد من شباب المنطقة وتؤثر على مستقبلهم وقد تؤدي الى استدعائهم تكراراً الى تحقيقات حول جرائم لم يرتكبوها وللخضوع إلى محاكمات لتبرئة أنفسهم كي يتمكنوا من إكمال حياتهم بشكل طبيعي. هنا اختلاف “الجب” لا يشفع لهم ولا تاريخ الولادة او مكانها أو حتى رقم السجل فهذه تفاصيل لا تؤخذ بالاعتبار في بداية التحقيق مع من يحمل الاسم نفسه لأحد المطلوبين. فكم من “حسين زعيتر” و “حسن جعفر” و “علي علوه” اقتيدوا الى التحقيق وهم أبرياء لا لتهمة إلا لتشابه في الأسماء بينهم وبين اشخاص صدرت بحقهم مذكرات توقيف.

 

والورطة ذاتها تنطبق على اللاجئين السوريين الذين يخشون العودة الى بلادهم وعبور الحدود ونقاط الأمن العام ومراقبة الجوازات ليس لسبب إلا لخشيتهم من تشابه في الأسماء بينهم وبين معارضين للنظام قد يجرهم الى السجون.

 

وبعد، تطول قصص التشابه في الأسماء، بعضها طريف وبعضها مؤلم وإذا كانت في السابق محصورة في دائرة ضيقة ضمن البلد وبين الأهل والمعارف فهي اليوم وعبر مواقع التواصل ومحركات البحث على الانترنت صارت ملعباً مفتوحاً أمام الجميع للعبة الشتم والإعجاب…

 

بين تايلور الأنثى وتايلور الرجل

 

تايلور سويفت المغنية العالمية الشهيرة وجدت لها توأماً في الإسم، وشهدت مواقع التواصل على ولادة تايلور سويفت مغايرة. حتى الآن القصة ليست مفاجئة فتوارد الاسماء وارد في كل مكان وزمان لكن المفاجئ في الأمر ان تايلور سويفت 2 ليس امرأة بل رجلاً…وهو مصور من سياتل ويحمل بريده الإكتروني عنوان: taylorswift @gmail وحين بدأت شهرة المغنية بالصعود بدأت حياته تنقلب رأساً على عقب، فبعد أن كان لعقود مواطناً عادياً قلة يعرفونه بات مع صعود نجم سويفت مشهوراً بقدرها تقريباً يتلقى آلاف الرسائل على بريده الالكتروني ومئات كلمات الحب والإعجاب على صفحاته. الأمر لا يزعجه لكن الاتصالات الليلية باتت تؤثر على زواجه. ويتمنى لو ان التشابه مع المغنية يطال نصيبه في البنك ولا يقتصر فقط على الأسماء