عندما استعرت «معركة» الرغيف الأبيض بين وزارة الاقتصاد وأصحاب الأفران والمخابز، كان المستهلكون هم الفئة الخاسرة، إذ كانوا يتلقّفون قرارات من كل الجهات، من دون أن يكون لهم حول ولا قوة. فلا أحد كان قادراً على حمايتهم من «سلبطة» أصحاب الأفران الذين يتحكّمون بلقمة الناس، ولا من تخبّط الوزارة. هذه المعركة التي خرج معها المستهلك خاسراً ليست آخر معاركه، إذ يواجه اليوم أزمات أكبر كلها تمسّ حقوقه، ليس أقصاها فلتان الأسعار ونوعية السلع المستهلكة وجودتها، كما صلاحيتها. في كل تلك الأزمات لا يجد المستهلك من يسانده. والسؤال هنا: من الذي يفترض أن يحميه من الغبن ويضمن له حقوقه؟ في الواقع، لا جواب على هذا السؤال. فغالباً ما يرضخ المستهلك لجشع المتحكّمين بلقمة عيشه، ولا مبالاة الجهات الرسمية.
لكن، في المبدأ، ثمّة قانون صدر عام 2005 اسمه «حماية المستهلك»، وهو يفرد من بين أقسامه قسماً خاصاً بتلك الحماية من خلال «المجلس الوطني لحماية المستهلك» الذي يتولى تقديم اقتراحات لـ«الحفاظ على صحة المستهلك وسلامته وحقوقه وتأمين سلامة السلع والخدمات وتحسين جودتها وتوعية المستهلك وإرشاده وحثّه على استعمال أنماط الاستهلاك المستدامة».
في مثل هذه الأيام، كان مفترضاً أن يكون هناك دور أساس لهذا المجلس الذي تمثل فيه الوزارات الأساسية (الاقتصاد والزراعة والبيئة والتربية والإعلام والاتصالات والسياحة). لكن ثمة نقطة واحدة عطّلت كل تلك الأهمية، وهي المراسيم التطبيقية التي لم تصدر لتحديد إجراءات تطبيق القانون. فمنذ 15 عاماً، لا يزال هذا المجلس حبراً على ورق. ورغم أن مجلس الوزراء عيّن أعضاءه، إلا أن هؤلاء لم يجتمعوا سوى ثلاث مرات، آخرها في عهد وزير الاقتصاد والتجارة نقولا نحاس… قبل نحو عشر سنوات، وأثناء فترة تصريف الأعمال، أي «لزوم ما لا يلزم»، على ما يقول رئيس جمعية حماية المستهلك، زهير برو، أحد الممثلين في المجلس.
قبل ذلك، عقد المجلس اجتماعين متباعدين لم يخرج منهما دخان أبيض في ما يخصّ أداء مهماته. وإلى الآن، لا تزال مراسيم المجلس التطبيقية لدى الجهات المعنية، وهي العلّة نفسها التي توقف قوانين كثيرة. وفي جردة للأسباب التي تقف حائلاً دون إعطاء المجلس دوره، يمكن العودة إلى الأسباب العامة نفسها التي تعطّل قوانين كثيرة، ومنها «سياسية لتعطيل القانون كأنه لم يكن». أما السبب الآخر، فهو «التفرّد بالصلاحيات والتهرب من أي شكل من أشكال الرقابة»، على ما يقول برو. وهو السبب الذي ينطبق على حال تعطّل المجلس الوطني. برأي برو «تنصّ إحدى مهام المجلس الرئيسية على حماية المستهلك، لكن ثمة من يلغي هذا الدور». ولهذه الأسباب، يبقى مصير المستهلكين «مربوطاً بكرعوب الباشا»، على حدّ قول برو.
صحيح أن وظيفة هذا المجلس استشارية وليست تنفيذية، إذ أن المطلوب منه تقديم مقترحات القوانين والمشاريع لحماية المستهلكين، على أن تعود السلطة التنفيذية للوزارة، إلا أن أهميته أنه «يضمّ ممثلين عن وزارات أساسية في البلد وعن القطاع الخاص أيضاً وعن المستهلكين، ومن شأن ذلك تكوين رؤية شاملة عن الموضوعات المطروحة. فوجود أكثر من رأي معني بالموضوع أفضل بكثير من وجود رأي واحد»، على ما يقول مدير مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، طارق يونس.
لا يروي يونس الكثير عن سبب تأخر المراسيم التنظيمية التي من شأنها إطلاق عجلة العمل في المجلس، ولكن «الأكيد أن مشروع المرسوم والملاحظات عليه خرجت من الوزارة وهي اليوم في عهدة الإدارات المعنية بانتظار الموافقة عليه». ولئن كان المطلوب معاملة المجلس الوطني على قدر دوره كاستشاري، بحسب يونس، إلا أن ما هو مطلوب أكثر هو «إعطاء كل واحد دوره، وهذا المجلس يسمح لجمعيات حماية المستهلكين بتمثيل المستهلكين وطرح هواجسهم كما حماية حقوقهم ومع ذلك يعطلونه»، يقول برو.
15 عاماً هي حبر على ورق، فيما المراسيم التطبيقية في «مقابر» الإدارات المعنية، كما هي محاضر الضبط التي تجريها الوزارة في إطار حماية المستهلكين تُدفن هي الأخرى في مقابر القضاء، حيث لم يصدر إلى الآن أيّ حكم يردع المتلاعبين بلقمة عيش المستهلكين. فمن يضمن حقوق هؤلاء؟ ومن يفرج عن المجلس الوطني لحمايتهم؟