Site icon IMLebanon

الكتلة الوطنية “ثارت” على نفسِها قبل الثورة

 

أسّست لحزبٍ متجدّد وتنتخب غداً خلف العميد

 

 

لأن بعض الأحزاب باتت مكاناً رائعاً للتثاؤب أو مائدة عارمة للزبائنية والمحسوبيات أو بعيدة، بعد السماء عن الأرض، عن واقعية وأفكار وطموحات ناسها، كان لا بُدّ من فتح ملف الأحزاب. وليست صدفة البدء بحزبٍ راق له التغيير والإنطلاق، بحماسة، تحت عنوان: “التغيير ممكن… بإرادتنا جميعاً يُصبح حتمياً”. الكتلة الوطنية التي استفاقت من غيبوبة عمر، أعادت أرساء مداميك نظام حزبي يصلح للمستقبل. استفاقت هي قبل استفاقة “الثوار”. فهل رأت الى الأمام ما لم يره سواها؟ وهل ستجد ركنا لها بين أحزابٍ فولاذية وثورة ترفض الأحزاب؟ غدا الأربعاء، يكون قد مرّ عام واحد، كامل، على قرار الكتلة الوطنية “الثورة على الذات” وستنتخب رئيسها الجديد خلفا للرئيس- العميد كارلوس إده. وتمضي قدما في مرحلةٍ ليست كما كلّ المراحل.

الزمان، قبل 17 تشرين. المكان، بيتٌ قديم، جميل، غائر في التاريخ، في شارع غورو في منطقة الجميزة، يحتضن، بالإيجار، بيت الكتلة الوطنية.

 

أمين عيسى، منسق الإدارة السياسية، في الاستقبال. وحفاوة لافتة من عدد من المنضوين في إطار الكتلة بطبعتِها الجديدة. وإبرازٌ على الجدران لخمس علل نرزح تحت وطأتها وخمس فضائل تُشكّل محور التغيير. العلل الخمس هي: الفساد، الزبائنية، الطائفية، الإقطاع السياسي والتبعية. والفضائل الخمس هي: المواطنة، النزاهة، دولة القانون، الديموقراطية والسيادة.

 

نقلبُ بين هذه العناوين العشرة، بين فضائل وعلل، فتكرج أمامنا كلّ العناوين التي يرفعها أو يرفضها الثوار. هي نفس العلل التي ينبذونها وهي نفس الفضائل التي ينشدونها. فهل نفهم من هذا أن الكتلة الوطنية كانت سباقة في رؤية ما لم يره سواها من أحزاب؟.

 

يتحدثون هناك، في البيت التراثي، عن طرح الكتلة نفسها منذ عام كبديل مقنع عن الأحزاب. فقد أعرب كثير من المواطنين عن عدم ثقتهم بالأحزاب الموجودة، العاجزة عن تقديم حلول مقنعة، وتحتاج الى إعادة تأهيل. الكتلة أهلت نفسها. وليست صدفة أن تكون قد أطلت منذ شباط عام 2018 ثلاث مرات على الجمهور وفي ثلاثتها (المرة الثالثة قبل يوم واحد من إنتفاضة 17 أيار) طالبت بحكومة مستقلة من اختصاصيين كفوئين تكون لديها صلاحيات واسعة للعمل على خمس أولويات: الدين العام، الكهرباء، ترشيد الإدارة العامة، العدالة الإجتماعية وقانون الإنتخابات النيابية ما يُجسد خروج اللبنانيين من وهم الصراع الطائفي الذي تجلى في التظاهرات.

 

الكتلة بعد كارلوس إده

 

هي حاسة ٌ سادسة لدى الكتلة أو رؤية بعيدة أو صدفة أن تتلاقى مع “الثوار” في مطارح كثيرة؟

 

رفضت الكتلة دائماً، بحسب عيسى، القول أنه طالما هناك مشاكل أساسية علينا أن نبقى متفرّجين على البلد وهو ينهار ونرمي كل مشاكلنا على خلافاتنا. ثمة مشاكل كان يمكننا أن نحلها قبل أن يجلس ترامب مع خامنئي. ويستطرد: ونحن مقتنعون أن من يريد التغيير فعليه أن يبدأ بنفسه. لذا بدأنا بأنفسنا، من علة الإقطاع السياسي والتوريث من إميل إده الى ريمون إده الى كارلوس إده. وأوّل شيء فعلناه إلغاء صفة العميد الذي يختصر كل الصلاحيات في يده. صلاحيات تشريعية وتنفيذية وكل شيء. العميد كان بمقدوره أن يقوم بكل شيء. ألغينا هذا المنصب ولم يعد هناك منصب عميد. وانقسمت صلاحياته الى هيئتين: مجلس الحزب وهو منتخب من قبل المناضلين ويُقصد به السلطة التشريعية التي تحدد سياسة الحزب والتوجهات. وهذا المجلس ينتخب مجلساً تنفيذياً مكوناً من 11 شخصاً ينفذون سياسة مجلس الحزب الذي يمثل الشعب. والمجلس التنفيذي هو من ينتخب الأمين العام. وتتخذ القرارات بالإجماع وإذا لم يحصل إجماع نلجأ الى التصويت. وخلقنا منصب رئيس الحزب الذي هو منصب فخري، ينتخب من المجلس التنفيذي، أي من الأعضاء الأحد عشر، لسنة واحدة. يعني إذا انتخبت أنا هذه السنة لا يمكن أن أنتخب من جديد إلا بعد إثنتي عشرة سنة. الرئيس الفخري هو الواجهة الرسمية للحزب وليس له أي صلاحية. وقد انتخبنا أول سنة كارلوس إده رئيساً للحزب تنتهي ولايته غداً ويعود مناضلاً عادياً في الحزب.

 

وجود كارلوس إده بين حقبتين، قديمة وجديدة، كان لا بُدّ منه ويقول عيسى: أردنا إجراء رابط على مستور رمزي لا عملاني بين حقبة قديمة وحقبة جديدة. ويستطرد: أردنا منذ البداية تحطيم حالة خلط المصالح عبر منع أي عضو في اللجنة التنفيذية في الكتلة من الترشح الى النيابة أو المشاركة في منصب وزير. إذا أحبّ هذا أحدهم فليستقل من المجلس وليتحول الى عضوٍ عاديٍ في الكتلة. هكذا نقطع أيّ إزدواجية في المصالح. وحتى الأمين العام إذا أراد أن يكون وزيراً أو يترشح الى النيابة فعليه أن يستقيل.

 

هناك، في بيت الكتلة الوطنية، يجزمون أن تنظيمهم الحزبي سيكون مختلفاً عن بقيّة الأحزاب. ويقول عيسى: نحن استبقنا الثورة وشعرنا بوجود شوق لدى المواطنين الى أحزاب تستطيع إنجاز تغيير. والأحزاب القائمة اليوم مبنية، بمعظمها، على الطائفية. لذا طرحنا السؤال التالي نيابة عن كثيرين: إذا كنت شيعياً وغير راض على سياسة “حزب الله” وحركة أمل فأين أذهب؟ أين أعبّر عن رأيي؟ عبر السوشال ميديا؟ هل هذا يكفي؟ لهذا كان لا بُدّ أن نعمل على إجراء التغيير لننسجم مع إرادة المواطنين.

 

لكن، هناك أحزاب سبق وحاولت ما تحاوله الكتلة لكنها فشلت في إيجاد حيثية واقعية لها؟ يجيب عيسى: نحن نقدم عرضاً جديداً. هذا صعب؟ نعرف هذا لكن الناس، بثورتها، تماشت مع رؤيتنا. الجمهور يشعر بالقرف وما عاد يصدّق أحداً بسهولة بعدما فقد الثقة بكثيرين. لم تفعل الأحزاب، بمجملها، شيئاً. وكثير منها طرحت نفسها لا طائفية وبانت، مع مرور الوقت، طائفية جداً. وكثير من الأحزاب طرحت نفسها ضدّ الفساد من دون أن تفعل شيئاً. نحن، هدفنا أن نبرهن للمواطن أن ما نقوله نؤمن به، وكل ما نؤمن به ننفذه. ولا ازدواجية في كلامنا.

 

نصدق الكتلة الوطنية؟ هل ستكون نواة حزبية في زمن فقد فيه كثيرون الثقة بالأحزاب؟

 

42 ألف عائلة تحت خط الفقر

 

عقل الكتلة أمين عيسى (وهو في المناسبة شقيق أمين عام الحزب بيار عيسى) يقول: نحن لا نتكلم بل نحدد نقاطاً. ننتقد ونعطي الحلول الإيجابية. نحن مؤمنون أننا غير مفلسين بل الدولة هي المفلسة. لبنان إذا أدير بشكل سليم سيكون من أغنى البلدان في العالم. فلنأخذ مشكلة الفقر في لبنان. هناك اليوم 230 ألف لبناني يعيشون تحت خط الفقر المدقع يعني تحت 5,7 دولارات يومياً. يشكلون 42 ألف عائلة. لم يهتم أحد بهم ولهم. النائب السابق روبير فاضل، معنا في المجلس التنفيذي، أعدّ مشروعاً لمكافحة الفقر المدقع. جال به بين الكتل النيابية لكن لم يجد من يتبناه فاستقال. لم يقبل أن يكون شاهد زور.

 

فشل روبير فاضل فاستقال. غيره حاولوا وفشلوا أيضاً. فما الذي يجعل الكتلة الوطنية المتجددة تقتنع أنها قادرة حيث فشل سواها؟ يجيب عيسى: نحن حزب ومعنا مناضلون.

 

وكم عدد هؤلاء المناضلين؟

 

لا أريد أن أدخل الآن في الأرقام لكني أؤكد أن هناك أربعة ملايين لبناني كتلاويون ولا يعرفون أنفسهم. ونحن أساساً، نريد أن نشتغل سياسة بطريقة مختلفة. كنا نحتاج الى إطار حزبي لكننا لن نكون حزباً نحتاج فيه الى مئة ألف إنسان يحلفون فيه اليمين ويحملون بطاقات ويضربون لنا تحية. نحن نريد أن نتوجه الى الناس ونقنعهم حتى يصوتوا لنا. لا أريد أعداد محازبين مسجلين بل أشخاصاً منسجمين معنا.

 

كم تسمح الأحزاب المسيحية الموجودة لأحزاب تُرمم نفسها بإثبات حالها؟

 

نحن نرفض هذا التصنيف. نحن حزب المواطن وإذا أصبحنا حزباً مسيحياً نكون قد فشلنا. لأن هذا ضدّ قناعاتنا الأساسية. نحن، في العمل السياسي، عندنا هوية واحدة المواطنة. نعرف أن هذا صعب لكن لا يمكن أن نظل نقول أن النظام طائفي لا يمكننا تغييره. في كل حال، لا ننتظر أن تسمح لنا الأحزاب أو لا تسمح.

 

كم سيتيحون لكم هذا كي لا نقول كم سيسمحون لكم بهذا؟

 

هذا شأنهم لا شأننا. نحن نتوجه الى الناس لا الى الأحزاب. أنا من يحكمني ويوجهني هو المواطن. وستكون لدينا منصة إلكترونية سنتوجه فيها الى كل المواطنين عبر الوطن. لا أطلب من المواطن تغيير انتمائه لكني أريد أن أريه أنني إذا أقنعتك صوّت لي وإذا لا أكون فشلت. حقّ الطوائف كذبة. لم يتمكن أحد في حياتي أن يفسّر لي ما معنى حقّ الطوائف. فليقل لي المسلم إذا كان يشرب غير المسيحي والشيعي يأكل ما لا يأكله السني أو الدرزي.

 

لكن، هذا هو تكوين لبنان من زمان؟

 

لا ننكر هذا الواقع لكنه ليس قدراً. وممنوع فقدان الأمل. وهذا ليس شعراً. التنوع غنى لكن الأحزاب تحاول طمر هذا الواقع، لقصرٍ في الرؤية ولمصالح شخصية لدى الأحزاب اللتي صنع كل واحد منها منطقته. هؤلاء يشدون العصب بتخويف الناس من بعضهم.

 

من يشبهكم من الأحزاب؟

 

من يخدم المواطن. حتى الشيطان إذا خدم المواطن نحن معه. يجب ردّ الإعتبار الى الناس. يكفي ذلّ للمواطن واعتباره خروفاً لا يفهم بالسياسة. نريد تخويف الآخر منه. لا تبنى الأوطان هكذا ولا يمكن أن تبنى هكذا.

 

هل من أوراق انتساب؟ هل هناك معايير انتساب محددة؟

 

هناك معايير أخلاقية وقواعد سلوك يقرأها ويلتزم بها من يريد الإنتساب إلينا. موضة بالروح بالدم غير موجودة. طبعاً حين يتخذ قرار سيتخذ. في كلِ حال، ما يهمنا هو أن يقتنع المواطنون بنا. إذا اقتنعوا نكسب سواء حملوا بطاقات أو لم يحملوها.

 

لم تختر الكتلة الوطنية شكل منزلها عن عبث. إختارته قصداً لأنه دلالة الى الإرث العمراني البيروتي. وإذا دخلت إمرأة مع طفلها الى البيت تجد قصة تُخبره إياها. هناك منزلان للكتلة، واحد في بيروت، الجميزة، وثان في منطقة الزوق في كسروان. وماذا عن جبيل منطقة العميد؟ لا يوجد بيت للكتلة هناك. لا تريد الكتلة أن تفتح بيوتاً في شكل عشوائي. لا نريد بيوتاً تضم “لمبة” وصورة زعيم بل بيوتاً حيّة.

 

تمويل لبناني

 

تمويل الكتلة هو لبناني مئة في المئة ويعلّق عيسى: سننشر آخر كل سنة موازنتنا ونعرض بشفافية من أعطانا المال وكم أعطانا والأهم كل شخص يريد أن يمنحنا مالاً يفترض ألا يترشح الى موقعٍ أو منصب رسميين. إذا ترشح نعيد له المال. أموالنا لبنانية ونظيفة. وهناك تدقيق بها كي لا تتأتى عن تهريب ضريبي أو تبييض أموال.

 

الكتلة الوطنية ثارت على الجمود، وعاد إليها الرمق، قبل أن يثور لبنان ويعود إليه الرمق. حصل هذا بالصدفة. أشياءٌ كثيرة تحدث بالصدفة. والثابت في كل ما حصل أن حزب العميد قرر أن يتغيّر قبل أن يضرب حراك التغيير لبنان. هو حزبٌ قرر باكراً أن يتجدد.