IMLebanon

الزعيم الوطني الذي جمع أهل السُنّة  

 

لم يمر في تاريخ لبنان زعيم استطاع أن يجمع المسلمين كما فعل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولو عدنا الى التاريخ منذ الاستقلال لا بد لنا أن نذكر أنّ الزعيم رياض الصلح، بطل الاستقلال، استطاع بحكمته وعقله الراجح أن يشكل ثنائياً لبنانياً وطنياً مع الرئيس بشارة الخوري، واستطاعا أن يتوافقا على أن يكون لبنان الوطن الواحد الموحّد بين المسيحيين والمسلمين، وطناً للجميع وطناً حراً سيّداً مستقلاً.

صحيح أنّ أيام الزعيم الرئيس رياض الصلح تختلف عن أيامنا اليوم، وصحيح أنّ الظروف أيضاً مختلفة، ولكن الوحيد بين زعماء لبنان من أهل السُنّة الذي استطاع أن يستقطب أهل السُنّة بشبه إجماع هو شهيد لبنان الرئيس رفيق الحريري.

في الخمسينات كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر زعيم الأمة كلها، وفي أيامه لم يكن هناك من حضور للتلفزيون… فقط كان يكفي أن تستمع إليه الجماهير كما تستمع الى السيّدة أم كلثوم أو الموسيقار محمد عبد الوهاب، وكانت عبارة منه في خطاب من خطاباته كفيلة بتحريك الملايين في العواصم العربية.

نعم من خلال الراديو استطاع عبدالناصر أن يكون أكبر زعيم في تاريخ العرب… طبعاً لا ننسى المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز الذي باعتراف كل العالم كان من أذكى وأدهى الملوك في العالم ويكفيه ما سجله تاريخه من أنه رفض أن يصافح اليهودي وزير خارجية أميركا هنري كيسنجر الذي قال له إنّك يهودي ولا أسمح لك بأن تدخل الى الأراضي الاسلامية المقدسة، وطبعاً دفع فيصل غالياً ثمن عروبته وإخلاصه لقضية العرب الأولى، قضية فلسطين، إذ دفع حياته ثمناً لالتزامه بالقضية الفلسطينية، وهنا لا بد من أن نعترف بأنّ أهل السُنّة والمسلمين عموماً في لبنان كانوا مع عبدالناصر.

بعد عبدالناصر جاء دور الزعيم الفلسطيني أبو عمّار -ياسر عرفات- الذي استطاع أن يجمع حوله أهل السُنّة… طبعاً هنا علينا أن نقول إنّ قضية فلسطين هي التي جمعتهم.

بعد خروج أبو عمّار من لبنان عام 1982، بسبب الإجتياح الاسرائيلي الذي أجبر ياسر عرفات على مغادرة لبنان عن طريق البحر وبرفقته الفدائيون، الى اليونان ومن ثمّ الى تونس، وقسم آخر انضم الى جيش التحرير مع الفرقة السورية التي بقيت في بيروت ابان الحصار الاسرائيلي لاحقاً، وفي إطار الاتفاق غادروا الى سوريا.

وللتاريخ خلال 30 عاماً، أي منذ العام 1970، يوم تسلم حافظ الأسد الحكم في سوريا بانقلاب أو بما سُمّي يومها “الحركة التصحيحية” وكان الانقلاب الوحيد في سوريا من دون إراقة أي قطرة دم، إذ أرسل حافظ الأسد أربعة ضباط اعتقلوا القيادة السابقة واقتادوا أركانها الى السجن… وهكذا حكم سوريا طوال 30 سنة (من 1970 الى 2000)، وكان عهده الوحيد في تاريخ سوريا من دون انقلابات إذ كانت الموضة، قبله، أن يكون كل شهر هناك إنقلاب أو محاولة إنقلاب.

ولم يستطع المرحوم الرئيس حافظ الأسد أن يستقطب أهل السُنّة وكانوا متفرقين الى أن جاء الشهيد الكبير رفيق الحريري الذي دخل السياسة في لبنان من باب التعليم حيث استطاع خلال سنوات قليلة أن يعلّم 35 ألف طالب جامعي في جميع أنحاء العالم وصولاً الى أميركا… واستطاع أن يصل الى رئاسة الحكومة في أواخر عام 1992… وفي الانتخابات التي حصلت في الأول من أيلول 1996 استطاع الحريري أن يجمع حوله  أهل السُنّة  بالاضافة الى أكبر كتلة نيابية جمعت كل الطوائف المسيحية والشيعية والدرزية، وهذا يحصل لأوّل مرة في تاريخ لبنان اذ استطاع رفيق الحريري أن يكون الزعيم الأوحد للطائفة السنّية ومعها أيضاً عدد جيّد من الطوائف، وهكذا أصبح زعيماً وطنياً لبنانياً.

تسلم الرئيس سعد الحريري هذا الإرث الكبير والصعب في ظروف صعبة جداً، وبالرغم من كل الصعوبات وبالرغم من التهديد بالقتل وبالرغم من المؤامرات عليه يوم كان ينتظر لقاء الرئيس الأميركي أجبر على الاستقالة بسبب استقالة حكومته بأمر من “حزب الله”.

لم يهادن مرة، لم ييأس ولا مرة، دفع كل غالٍ من ثروته وأيضاً من صحّته، ومن وقته، ومن أجمل أيام حياته، أي من شبابه، في سبيل أن يكمل الطريق وتكرّس، زعيماً مسلماً سنّياً بسبب تمسّكه بالإعتدال وعدم القبول بأي فتنة بين أهل السُنّة والشيعة… وأصبح اليوم أحد أكبر الزعماء الوطنيين في لبنان… ولا بد من القول إنّ الرئيس الشهيد حوّل محبّة أهل السُنّة له الى محبّة المملكة العربية السعودية وإلى محبّة ملوك السعودية ابتداءً من الملك المغفور له فهد الى المغفور له الملك عبدالله واليوم الى الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.

عوني الكعكي