IMLebanon

المجلس الوطني لإعلام النّظام يحاول فرض سلطته على المواقع الإلكترونية

 

25 عاماً من الرقابة وهدر المال العام

 

عاد المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع إلى الواجهة، بعد أن كان ينتسى في محطات عدة. فللمجلس مهمة الرقابة على الإعلام المرئي والمسموع، وكتابة التقارير. هو إذاً عين السلطة على الإذاعات وأذنها، وله أن يقترح عليها الاجراءات التي يمكن اتخاذها لمعاقبة المخالفين، من بينها إقفال المؤسسات لمدة تتراوح بين ثلاثة أيام وشهر. ولوزارة الإعلام والحكومة أن تأخذا بالاقتراح أو تهملاه.

 

بعد فترة ركود نسبي، عاد المجلس بقوة إلى الساحة الإعلامية، بالتوازي مع عودة القبضة الأمنية التي تستلهم سلوكيات زمن الوصاية، زمن نشأة المجلس، عاد على صهوة إجراءات التعبئة العامة والصّراع بين جهات عدة على صلاحية توزيع البطاقات الصحافية للعاملين في المواقع الإلكترونية كي يتمكنوا من التجوّل والقيام بعملهم. وليس خافياً على أحد طموح رئيس المجلس منذ ربع قرن، عبد الهادي محفوظ الى نيل صلاحيات إضافية كأن يصبح رقيباً على الإعلام الإلكتروني، وعين السلطة عليه.

 

ينظر إعلاميون كثر إلى المجلس الوطني للإعلام على أنه الواشي بهم والمحرض عليهم، أو المحابي للسلطة على حسابهم، ولا يرون أهمية لوجود المجلس واستمراره. بل إن وزراء سابقين للإعلام يرون أن لا حاجة للمجلس وأن وجوده هدر للمال العام. ولما حاولت “نداء الوطن” التوسّع في تسجيل مآخذهم رفض بعض الزملاء الإدلاء بمواقف حول المجلس تجنباً للدخول في السجال القائم.

 

وتقول المادة 17 من قانون رقم 382 المتعلق بالبث التلفزيوني والإذاعي إن المجلس يتألف من عشرة أعضاء يعينون مناصفة من قبل مجلس النواب ومجلس الوزراء. بينما تحدد المادة 20 مدة العضوية بثلاث سنوات قابلة للتجديد، وأنه عند شغور مركز أحد الأعضاء لأي سبب كان يتم ملء المركز الشاغر في مهلة شهر واحد. بينما يختلف الواقع عن النصوص، إذ تجاهل مجلسا الوزراء والنواب تعيين أعضاء جدد، حتى عند وفاة احد الأعضاء لم يعينوا بديلاً عنه. بينما يستمرّ محفوظ في تولي رئاسة المجلس منذ 25 عاماً، حافظ في خلالها على ولائه للنظام الذي عيّنه وأمّن له استقراره الوظيفي منذ العام 1995، يوم كان ميشال سماحة وزيراً للإعلام. حتى أن محفوظ ارتكب مشقة السّفر إلى سوريا للدفاع عن النظام عبر القناة السورية، منذ نحو 9 أشهر. فتحدّث محفوظ عن أداء المؤسسات الإعلامية العربية وكأنه يمارس رقابة عليها هي أيضاً. كما تحدّث عن الحرب “الكونية” التي تخاض ضد نظام الأسد. ما يطرح سؤالاً عن كفاءة محفوظ في اختيار المصطلحات ومراقبتها. فهل بقية المجرات مشاركة في الحرب على النظام السوري؟ وأي كائنات فضائية تولت قيادة المعارك هناك؟

 

المجلس الوطني كبديل عن وزارة الإعلام

 

وفي محاولة لتصحيح عمل المؤسسات، أرسل وزير الإعلام السابق ملحم رياشي كتاباً إلى رئيس الحكومة حينها، سعد الحريري، يطلب فيه التواصل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري لانتخاب الأعضاء الخمسة الجدد للمجلس الوطني االذي يفترض بمجلس النواب انتخابهم، ليصار إلى استكمال انتخاب الأعضاء في مجلس الوزراء وفقا للقانون، لكن شيئاً لم يحصل. واقترح رياشي في مشروع قانون الإعلام الذي عمل عليه وأهمل، تعزيز صلاحيات المجلس الوطني للإعلام، لتصبح سلطته تنفيذية عبر مشروع إلغاء وزارة الإعلام، وليحلّ مكانها المجلس مجتمعاً. وهنا تطرح إشكالية حول آلية التعيين الممكن اتّباعها كي تضمن أن لا تتحول السلطة التنفيذية لسلطة قمعية، وأن لا تبقى بأيدٍ وعقول اعتادت ممارسة الرقابة وابتعدت عن ممارسة الإعلام. فيكون همّها تحسين الأداء الإعلامي من باب تحسين المهنة وتطويرها مع ما ينتج عنه من تطوير لقطاعات أخرى، لا قمع الإعلام وحراسة سمعة السلطة.

 

في ظلّ المماطلة في إقرار قانون جديد للإعلام نتيجة صراع بين جهات عدة تحاول إما الحفاظ على مكاسبها وإما تحصيل مكاسب جديدة، لم تتغير صلاحيات المجلس. لكنّ محفوظ يحاول تحصيل صلاحيات جديدة عبر تفسير نص قانون الإعلام المرئي والمسموع، لفرض سلطته على المواقع الإلكترونية، معتبراً أنها تعتبر عملاً مرئياً ومسموعاً. وهو ما أشعل الخلاف بين رئيس المجلس وبعض هذه المواقع والتي بدأ محفوظ بتسليم تقارير عنها. واعتبرت مؤسسة “مهارات”، التي قدمت اقتراحاً لقانون جديد للإعلام، أن محفوظ اجتزأ المادة 4 لقانون المرئي والمسموع، وحذف الجزء الأهم منها الذي يصف الإعلام المرئي والمسموع بكل عملية بث تلفزيوني أو إذاعي حصراً.

 

محفوظ: أنا مع الثورة… والثنائي الشيعي يقرر بموضوعي

 

في حديث إلى “نداء الوطن” يصرّ محفوظ على إعلان تأييده للثورة وللحراك الشعبي وبأنه جزء منهما، “فأنا أنتمي للقاء التشاوري في المحافظات”. لكنه في الوقت عينه يؤكد ما يناقض كلامه: “فالثنائي الشيعي يقرر بموضوعي، لكني لا استجدي أحداً للبقاء”. كما يؤكد رئيس المجلس أن دور مجلسه مهمش بسبب المحاصصة في المؤسسات.

 

وانطلاقاً من موقعه يزايد محفوظ في مسألة الثورة، “من يؤيد الثورة لا يتمول من جهة خارجية من يريد أن يكون مع الحريات لا يقبض من دولة أجنبية” عبارات يكررها للإشارة إلى موقع “المدن” الذي يخوض محفوظ معركة كلامية معه أشعلها تقرير الرصد الإعلامي الذي تلاه، واتهم فيه موقعيّ “جنوبية” و”المدن”، بشن حملات مناهضة للحكومة وللرئاسة الأولى، “مبنية على تحليلات تم تظهيرها للمتابع والقارئ على أنها حقائق واقعية”، متهماً إياهما “بشن حملة ممنهجة على الحكومة”. لكن فات محفوظ أن من يتموّل من مصادر خارجية يظلّ أكثر حريّة ممن يتمول من سلطة فاسدة، ويحاول الحفاظ على موقع ضيق. وبعيداً عن اتهامات التمويل ودور السلطة في تعميم هذا النهج. ويكشف بأنه لم يكتب التقريرالذي قرأه، وإنما أعدته جهة متخصصة مقابل بدل مالي لقاء عملها،”لأنه كان يفترض بالحكومة تأمين جهاز لمتابعة الأداء الإعلامي، لكنهم لم يؤمنوا شيئاً منذ تشكيل المجلس”. وهنا تطرح مسألة انتماء هذه الجهة والمبالغ التي تتقاضاها لقاء تقاريرها.

 

كما يرفض محفوظ تحميله هو أو المجلس الوطني للإعلام مسؤولية عدم انتخاب أعضاء جدد، ويضيف بأن المجلس مستمرّ بعمله حتى يملأ الفراغ. وهنا يجوز السؤال عن أي فراغ يتحدث محفوظ، إذ أن كثيرين من كتّاب التقارير، وكثيرين من المستشارين باتوا يقترحون على الوزراء إجراءات لاتخاذها انتقاماً من مؤسسات إعلامية تنشر ما يزعج خاطرهم. ويشير محفوظ إلى أن صلاحية المجلس استشارية لكن لا يمكن للحكومة بأن تأخذ بعكسها وبأنه كان يفترض أن يعدل القانون ليصبح دوره تقريرياً “خارج أي سلطة فوقه. في القانون الجديد سيتغير دور المجلس وسيخرج من الوصاية السياسية”. ولا يعترض محفوظ على بقاء الصلاحيات على حالها، لكنه يرى أن الأمر يحتاج إلى إدارة سياسية واحدة على مستوى السلطة، “فالحكومة كانت حكومات”.

 

كذلك يرفض رئيس المجلس اتهام مجلسه بممارسة القمع والسعي لمعاقبة المؤسسات الإعلامية، ويرى أن الأمر ينشر عبر الإعلام بسبب ما يعتبره جهل الأغلبية بالقوانين. ويطمئن الى أن دوره متابعة الأداء الإعلامي والتأكد من أنه منسجم مع القانون، كما يؤكد أنّه شخصياً مع الإعلام الحر “الذي يرتبط بصحة المعلومة ودقتها والموضوعية من دون تعريض أمن المجتمع للخطر”. لكن يفوت محفوظ أن القوانين التي يريد من الاعلام الالتزام بها باتت بالية وتتعارض وحرية التعبير وحرية الإعلام، إذ تضع قيوداً على هذه الحرية وتفتح الباب واسعاً أمام الاجتهاد والتفسير، كما تعرّض الصحافي لعقوبة السجن في حالات عدة.

 

وفي محاولة للتخفيف من خطورة الرقابة التي يحاول فرضها على المواقع الالكترونية، يقول محفوظ إن سبب الهجمة عليه أنه عمل على تنظيم توزيع البطاقات الصحافية بتفويض من المواقع، بعد أن قام بعضها ببيع العشرات منها. ووفق محفوظ فإن وزارة الداخلية اعترضت واعتبرت أن إصدار البطاقات ليس من صلاحيات المجلس.

 

لا يحق للمجلس فرض رقابته على المواقع الإلكترونية

 

يشير المحامي طوني مخايل، المستشار القانوني لـ”مهارات”، لـ”نداء الوطن” الى أن الجمعية تقدمت باقتراح قانون نصّ على منح سلطة تقريرية للمجلس ليتوجه إلى المؤسسات الإعلامية مباشرة في حال خالفت الدستور، والتدخل لفرض عقوبات في حال ارتكبت أخطاءً فادحة أثناء التحرير، ويشدد على أن تكون السلطة تقريرية لا قمعية. في المقابل لا يكترث المحامي بدور وزارة الإعلام إذ يرى أنه لن يكون لها دور، فالمجلس هو من سيرخّص للمؤسسات وسيراقبها. لكنّ الإشكالية تطرح حول آلية انتخاب أعضاء المجلس، إذ أن بقاء المجلس على حاله ينذر بمزيد من القمع في حال منحه سلطة تقريرية. ووفق مخايل اقترحت الجمعية انتخاب أعضاء حكميين في المجلس أي بحكم وظيفتهم كعميد سابق في كلية الإعلام مثلاً. ويرى مخايل أنه من الأفضل أن تقوم جهة واحدة بتعيين الأعضاء ضمن آلية واحدة كي لا تحصل مماطلة في تعيينهم كما هي الحال اليوم. ويعتبر أنه على لبنان الاتجاه نحو البث الرقمي الذي سيسمح ببث ما بين 60 و70 إذاعة بدل 5 أو 7 فقط كما هي الحال اليوم، “لكن الامر يفرض تحدّياً تقنياً”.

 

ووفق مخايل فإن “مهارات” تجنبت الدخول في التفاصيل لدى مناقشة صلاحيات المجلس، واكتفت بالعموميات خشية وضع قيود تحدّ من حرية التعبير. ويستنكر المستشار القانوني محاولة محفوظ فرض رقابته على الإعلام الإلكتروني، “فهو يحاول اليوم أن يلجأ إلى قانون البث ويحاول تأويل بعض النصوص. وقد حاولنا ابعاد سلطته عن الإعلام الالكتروني. ويفضّل “ان تنظّم المواقع نفسها ليبقى الاعلام الالكتروني حراً”.