في الوقت الذي يستمرّ فيه العدّ التنازلي للمُهل الدستوريّة المُرتبطة خُصوصًا بولاية مجلس النوّاب المُمدّدة، من دون التوافق بعد على قانون إنتخابات نيابيّة جديد يُعيد تشكيل السُلطة السياسيّة، حتى بعد إنعقاد جلسة جديدة لمجلس الوزراء أمس، وكذلك جلسة جديدة للجنة الوزاريّة المُكلّفة البحث في قانون الإنتخابات أمس الأوّل، يتمّ التداول في رأيين مُتناقضين بالنسبة إلى ما يحدث حاليًا، حيث تعتبر بعض المصادر السياسيّة أنّ الأمور حُسمت لصالح قانون إنتخابات يعتمد مبدأ التصويت النسبي، وما تبقّى هو مُجرّد تفاصيل صغيرة ومحدودة يجري العمل على حلّها، في مُقابل إعتبار بعض المصادر السياسيّة الأخرى أنّ الأمور لا تزال عالقة في عنق الزجاجة، والخلافات لا تزال كبيرة وليست شكليّة أو تفصيليّة على الإطلاق. فما هي آخر المعلومات بهذا الشأن؟
بحسب رأي المصادر السياسيّة المُتفائلة، فإنّ الأمور مُرشّحة لأن تسير وفق ترتيب مُتسلسل يبدأ بإعلان رئيس مجلس النواب نبيه برّي إرجاء الجلسة النيابيّة التشريعيّة التي كان من المُفترض أن تُعقد الإثنين المُقبل، في مُقابل تعهّد بعدم طرح مسألة التصويت على قوانين الإنتخاب على طاولة أي جلسة لمجلس الوزراء، وتعهّد آخر بأن يطلب كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري فتح دورة إستثنائيّة للمجلس النيابي إعتبارًا من نهاية عقد الدورة التشريعيّة العادية الأولى في 31 أيّار الحالي، وحتى بداية عقد الدورة التشريعية العادية الثانية والتي تنطلق بحسب ما تنصّ المادة 32 من الدُستور يوم الثلاثاء الذي يلي 15 تشرين الأوّل من كل عام. وأضافت المصادر نفسها أنّ هذه الخطوات الإيجابيّة ستليها إجتماعات عدّة تُركّز على تفاصيل قانون الإنتخابات النيابيّة الجديد والذي سيتمّ وفق قانون النسبيّة الكاملة، حيث وافقت أغلبيّة الأطراف المَعنيّة على أن تكون دوائر الإقتراع وفق هذا القانون مُتوسّطة الحجم، وتجري حاليًا مُحاولات لإقناع «التيار الوطني الحُرّ» بهذا الخيار. وتابعت المصادر السياسيّة المُتفائلة كلامها بالتشديد على أنّ من بين الطروحات التي تهدف إلى إقناع «التيّار» بالمُوافقة على قانون النسبيّة الكاملة، أن يكون «الصوت التفضيلي» وفق دوائر القضاء المُعتمدة في «قانون الستّين» المُعدّل في «مُؤتمر الدوحة» لكن خارج القيد الطائفي.
في المُقابل، وبحسب رأي المصادر السياسيّة المُتشائمة، فإنّ الدلائل على إستمرار الخلافات الكبيرة أكثر من ان تُعدّ أو تُحصى، مُشيرة في هذا الصدد إلى موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي أكّد وقوفه خلف رئيس «التيار الوطني الحُرّ» ودعمه له، حيث قال بشكل واضح ولا يقبل الشكّ:
«… يُريدون اليوم قانونًا على أساس النسبيّة لكن من دون ضوابط، نحن نطالب بإيجادها، ومنها التأهيل لوصول الأكفّاء الذين يُمثّلون طوائفهم، ومُنفتحون على أيّ طرح يُحقّق فعلاً هذه الأهداف». وأضافت أنّ تمنّع وزير الخارجيّة جبران باسيل عن حُضور الإجتماع الذي عُقد في مكتب الوزير علي حسن خليل في وزارة المالية أمس الأوّل، والذي كان يُفترض أن يكون رباعيًا قبل أن يتحوّل إلى ثلاثيًا، يدخل أيضًا ضُمن الدلالات السلبيّة، وهو يُفسّر بأنّه رسالة إعتراض من الوزير باسيل على تجاهل طرحه «التأهيلي»، وكذلك على مُقاطعة الوزير الخليل لآخر إجتماعين للجنة الرباعية في قصر بسترس وفي اللقلوق. وتابعت المصادر نفسها أنّ الحملة على خطّة وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل، والتي هي في الواقع خطّة سلفه الوزير باسيل، تحمل أبعادًا تتجاوز التقني إلى الشق السياسي، مُعتبرة أنّه ليس من الصدفة أن تتموضع ضُدّ هذه الخطّة قوى وازنة منها على سبيل المثال لا الحصر رئيس مجلس النوّاب، ولا من الصدفة أيضًا أن تنقل قناة المنار التلفزيونيّة مباشرة مُؤتمر وزراء «القوات اللبنانيّة» الذي جرى خلاله تفنيد بنود الخطة، ولوّ تحت راية الناحية التقنيّة.
ولفتت المصادر السياسيّة المُتشائمة إلى أنّه وفي الوقت الذي رأت أغلبيّة القوى السياسيّة، حتى غير الواسعة الإنتشار منها، أنّ القانون النسبي سيحجز لها مكانًا ما على خريطة المجلس النيابي المُقبل، وباتت تزن مواقفها إنطلاقًا من هذا الواقع، فإنّ «التيار الوطني الحُرّ» الذي لن تزيد كتلته بشكل كبير، في حال إعتماد ما هو مطروح من قوانين نسبية من دون إدخال التعديلات التي يُطالب بها، لن يُليّن موقفه مجانًا ومن دون الحُصول على تنازلات مُهمّة في المُقابل. وأضافت أنّ حسابات «التيّار» تتجاوز الحصّص النيابيّة، والتوازنات السياسيّة الداخليّة، على الرغم من أهميّتها الحاسمة على إنتخاب رئيس الجُمهوريّة المُقبل وعلى تشكيل الحكومة المُقبلة أيضًا، وتصل إلى الواقع الإنتخابي الذي سيتمّ تثبيته لدورات عدّة، مع كل إرتداداته على الواقعين اللبناني بشكل عام والمسيحي بشكل خاص. وتوقّعت هذه المصادر أن لا يُوافق «التيار الوطني الحُرّ» على قانون «النسبيّة الكاملة» من دون ضَمَانات تؤمّن العَدالة والمُساواة بين أصوات الناخبين اللبنانيّين، وتحفظ فاعليّة وتأثير صوت الناخب المسيحي في خضمّ الإنتشار الجغرافي المُتشتّت للناخبين المسيحيّين في لبنان، وفي ضوء الخلل الديمغرافي الذي لا يصبّ لصالحهم في أيّ تصويت أكثري أو نسبي. وختمت كلامها بالقول إنّه في حال تقديم هذه الضَمَانات، سيتحوّل عندها «التشاؤم» إلى «تفاؤل»، وسيرفع «التيار» تمسّكه بالقانون التأهيلي – وهي خطّة كان يعتمدها من باب رفع سقف التفاوض، وسينضمّ في نهاية المطاف إلى لائحة المُوافقين على قانون «النسبيّة الكاملة» لكن بشروطه وليس بشروط غيره!