المواطن اللبناني العادي، الذي يتطلَّع إلى يوم يستفيق فيه وقد اختفت النفايات من تحت منزله، والذي يتطلَّع إلى يوم يستفيق فيه وقد تحدَّد موعدٌ جديد لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية، والذي يتطلَّع إلى يوم يستفيق فيه وقد صادق مجلس النواب على قانون عادل للإنتخابات النيابية.
هذا المواطن يطرح ألف سؤال عما يجري اليوم وعما سيجري غداً:
المجتمع المدني اختبر الشارع والنفايات لا تزال، لا بل اصبحت ترمى شمالا ويمينا.
العماد عون اختبر الشارع ولبى مناصروه دعوته الى ساحة الشهداء بكل تنظيم وانضباط لأخذ المبادرة من جديد من الشباب العفويين.
ولكن ماذا بعد الشارع؟
الشارع يؤكِّد على المطالب ويثبتها، ولكن أين يتمُّ صرفها وتسييلها عبر قوانين مرعية الإجراء والتطبيق؟
***
رائعٌ زخم الشباب الذين هُم آمال المستقبل، والحراك الذي قاموا به شكَّل الحجر الذي حرَّك المياه الآسنة، ولكن كيف ترجمة ما تحقَّق؟
بالتأكيد لن يتمَّ تنفيذ هذه المطالب عبر طاولة الحوار، فهذه الطاولة انطلقت قبل الربيع العربي وواكبته حتى وصلت إلى الخريف العربي من دون أن تحقق شيئاً، فلماذا دائماً استنباط حلول سبق أن اختُبِرَت من دون أن تصل إلى نتيجة؟
حين اخترع الرئيس بري طاولة الحوار عام 2006، كان هناك إنقسام وكان هناك أشخاصٌ لا يجلسون مع بعضهم البعض، فابتكر لهم مكاناً يجلسون فيه معاً علماً أنَّ هذه الطاولة لا مفاعيل دستورية لها ولا آلية تطبيقية، بدليل أنَّ ما توصَّلت إليه بقي حبراً على ورق.
اليوم، إنَّ ذريعة عدم جلوس المدعوين إلى طاولة الحوار مع بعضهم البعض قد سقطت:
فتيار المستقبل وحزب الله يلتقيان في حوارات ثنائية، وقد أدَّت لقاءاتهم إلى تنفيس إحتقان الشارع. والتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية باتا يلتقيان تحت سقف ورقة إعلان النيات والتفاهم، وتيار المستقبل والتيار الوطني الحر التقيا أكثر من مرة، فمَن مختلف مع مَن لتعود طاولة حوار ثبِت من اليوم الأول لإنطلاقتها منذ عشرة أعوام، أنَّها غير مطابقة لا لإنتخاب رئيس ولا لتفعيل الحكومة ولا لفتح أبواب مجلس النواب؟
***
إن المطالبة اليوم بقانون للإنتخابات النيابية، تجري على أساسه الإنتخابات لتُنتج مجلسَ نواب يتولى إنتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية، هي مطالبة في المستحيل، فكيف يُطالَب هذا المجلس بإعداد قانون وهو مشكوك بشرعيته؟
وحتى لو أعدّ قانوناً جديداً فإنه سيُنتج قانوناً يشبهه أي قانون يعيد معظم مَن هم في المجلس إلى ساحة النجمة، وهؤلاء سينتخبون الرئيس الذي يحفظ لهم مصالحهم لا الرئيس الذي يحقّق مصالح الناس.
***
إن الطريق الأكثر منطقية تكون في إنتخاب رئيس وتشكيل حكومة يكون بيانها الوزاري خطة طوارئ إنقاذية، وليس كالبيانات السابقة المليئة باللغة الخشبية التي لا تُنفَّذ، وتضع هذه الحكومة مهلة لتطبيق بنود بيانها وفي المقدمة قانون الإنتخابات النيابية، وبعد إنجازه تُجرى الإنتخابات، وعندها ليحقق هذا الشعب التغيير في صناديق الإقتراع وليغيِّر كلَّ هذه الطبقة النيابية التي فيها نوابٌ منذ نصف قرن ونواب منذ ربع قرن ونواب منذ عقد من السنين، وقلة قليلة جديدة ولكن غير منتجة. فإذا كان التغيير يمرُّ من بوابة مجلس النواب، فلنجعل هذا التغيير يكون بخروج مَن فيه، ودخول مجلس نواب جديد.
هذا هو التغيير الحقيقي الذي يكون انطلاقاً من أم السلطات حيث يُفترض ان تُصنع القوانين المطابقة لتحلَّ محلَّ قوانين غير مطابقة، وضعها نواب غير مطابقين.
***
إنَّ الثورات التي لا تصل إلى مقاعد مجلس النواب ستبقى تجلس على قارعة الطريق تنتظر قطاراً جديداً ينقلها إلى محطة تغييرية ثانية، وفي سكك الشعوب القطارات لا تتحرَّك إلا بالعقود وليس بالأشهر.
نحن إما أمام فرصة جديدة، على جميع الفرقاء النزول الى مجلس النواب وانتخاب رئيس للجمهورية، وأمام الإنتظار لن يسلم البلد من الفوضى.