IMLebanon

الحاجة الى تعلم الدرس الألماني

 

الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير تعلّم من تجربة بلاده في الحرب وبعدها درسا مهمّا. مختصره، كما قال، هو انه اذا أردنا السلام، فان من الصعب الحصول على الحقيقة والشفافية والعدالة معا. والمعنى البسيط لذلك هو انه لا بد من التضحية بشيء ما للحفاظ على السلام. وما نحتاج اليه، من بين أمور عدّة، هو أن نتعلم هذا الدرس من الرجل الحكيم ضيف لبنان الذي زارنا مرارا وعرفنا وعاين تجاربنا خلال توليه وزارة الخارجية أكثر من مرّة. فنحن نريد الحفاظ على الاستقرار والسلام، ونتصرّف كأننا قادرون على عدم التضحية بأي شيء. لا بالحقيقة، ولا بالشفافية، ولا بالعدالة. ونحن عمليا ندفع ثمن الاستقرار الهشّ في منطقة مضطربة وثمن السلام البارد في منطقة مشتعلة بالحروب، ونعرف ان التركيبة السياسية تمارس خداعنا وخداع النفس.

ذلك ان التجارب العملية في ممارسة السلطة ومواجهة الأزمات كشفت ما في دستور الطائف من عيوب وثغرات وما في تفسيره أيام الوصاية السورية ثم أيام الوصايات المحلية والخارجية الجديدة من إنحراف. لكن أي دعوة لتعديله، بما يؤدي الى تصحيح العيوب وسدّ الثغرات، توضع في خانة المسّ بالنظام ومكاسب الأقوياء. ولا فرق، سواء كان الهدف من التعديل هو من جهة، العودة الى بعض ما كان قبل الطائف من مرجعية في الدولة، ومن جهة أخرى تجاوز الطائف الى ما يعكس موازين القوى الجديدة، بعدما فرضت موازين القوى في تلك المرحلة صيغة الطائف. والنتيجة هي التضحية بالحقيقة والشفافية والعدالة معا، تحت عنوان الحرص عليها جميعا.

 

والضائع على الطريق الى الانتخابات هو أيضا الحقيقة والشفافية والعدالة. فما قيل انه تغيير نوعي بالانتقال من قوانين النظام الأكثري الى قانون النظام النسبي بدا باضافة الصوت التفصيلي خدعة شارك فيها الجميع على طريقة الجريمة الجماعية في روايات أغاتا كريستي: لا هو نسبي حسب الأصول في العالم، ولا هو صوت واحد شخص واحد، ولا هو بالطبع أكثري. وما كان نظام محادل وبوسطات ضمن تحالفات مفروضة صار نظام خداع مشروع بين الحلفاء في اللائحة حيث التسابق الفردي على الصوت التفضيلي. والمسألة تتجاوز اللامألوف من ملاءمة النسبية مع نظام طائفي الى ادارة المعركة الانتخابية بالمال والعصبيات الطائفية والمذهبية وادعاء الحفاظ على الاستقرار والسلم الأهلي.

حتى التغيير، وهو حق للناس وخصوصا للمجتمع المدني والأحزاب العلمانية، فان الرهان عليه مرشح للاصطدام بالواقع الطائفي والمذهبي ان لم يكن لصدمة الكوابيس. والواقع سلسلة أزمات تتراكم، وتسويات من جنس الأزمات.