IMLebanon

الحاجة إلى اصلاح التحالف الدولي ضد «داعش»

تبرز في الساحة الاميركية أفكار ودعوات إلى إجراءات أكثر حسماً وحزماً وتمكيناً فعلياً لتنفيذ السياسة التي أعلنها الرئيس باراك أوباما للقضاء على «داعش» ضمن استراتيجية متكاملة وهيكلية مدروسة بعيداً عن اعتباطية الرد وهفوات التردد. كثير من كبار العسكريين الذين شغلوا مناصب كبرى سابقاً بدأ يتحدث علناً عن «فشل» الولايات المتحدة في إلحاق الهزيمة بـ «القاعدة» و «داعش» و «طالبان» في أفغانستان وباكستان وغيرها من التنظيمات الراديكالية الإسلامية بسبب سياسات وقرارات السلطة التنفيذية لا سيما في عهد أوباما. بعضهم يتحدث عن الحاجة الى «حلف أطلسي عربي» ويؤكد على مركزية الشراكة الأميركية الفعلية مع مثل هذا الحلف لأن ذلك في المصلحة القومية الأميركية، وإلاّ – حذّر أحدَهم – فإن خطر «داعش» و «القاعدة» و «الراديكالية الإسلامية» آتٍ الى عقر الدار الأميركية.

السناتور الجمهوري، رئيس لجنة الخدمات العسكرية في مجلس الشيوخ جون ماكين يربط بين تحقيق هدف القضاء على «داعش» وبين تبني إدارة أوباما موقفاً واضحاً ضد الرئيس السوري بشار الأسد وحليفه الإيراني. يقول إنه على المدى القصير، لا مناص من إنشاء «مناطق حظر الطيران» في سورية مع تصعيد جدي في العمليات الجوية بمشاركة «قوات خاصة» على الأرض تعزز إمكانيات المحاربين ضد «داعش» وضد النظام في دمشق. وعلى المدى البعيد، يرى ماكين أنه لا بد من إنشاء «قوة عربية» في سورية والعراق «بمشاركة أميركية» واسعة جوياً ومحدودة برياً هدفها تعزيز قدرات القوة العربية. ويوضح أن أية مشاركة إيرانية في الحرب على «داعش» في سورية «مرفوضة» بسبب «التحالف المدنّس» (unholy) بين إيران وسورية، وأية موافقة أميركية على ذلك هي «غير أخلاقية». الغائب عن الحديث الأميركي حول كيفية إلحاق الهزيمة بـ «داعش» هو الحاجة إلى استراتيجية شبه استباقية في اليمن وليبيا، اللتين تتحولان إلى أرض خصبة لإنماء الراديكالية الإسلامية بمختلف أنواعها. الحاضر هو استمرار الامتناع عن القيادة الجدية، وذلك ليس فقط بسبب مواقف وشخصية وفكر الرئيس أوباما وإنما أيضاً بسبب الانفصام في الرأي العام الأميركي وفي الشخصية الأميركية.

الرأي العام العربي ليس أقل انفصاماً أو كسلاً من الرأي العام الأميركي والأوروبي، لكنه أكثر حدة. اليوم، لقد شاهد العالم بربرية مقرفة مدروسة – تم اخراجها في شريط فيديو رفيع المستوى تقنياً – تمثلت في احراق «داعش» الطيار الأردني الشاب الأسير معاذ الكساسبة حياً. اليوم، تجتاح الأردن والدول العربية والإسلامية موجة غضب شديد وذهول أمام بشاعة الجريمة والفكر «الداعشي» الذي يشكل خطراً وجودياً على الدول العربية.

الغضب لا يكفي، لأنه عابر. يجب ان ينهض العالم العربي والإسلامي ضد «داعش» وان يكف أولئك الذين يعتبرون التنظيم الرد الطبيعي على التطاول الإيراني في المنطقة العربية، وأولئك الذين ينظرون الى «داعش» بأنه أداة الرد على الإقصاء الشيعي للسنّة في العراق. عدا ذلك لن يكون سوى استثمار في احراق الروح العربية والمبادئ الإسلامية.

مثل هذا النهوض يستلزم سياسات دولية وإقليمية ترافقه كي ينجح، بل كي يحصل. وهذا يتطلب الكثير من الاصلاح لـ «التحالف الدولي» ضد «داعش» – الذي تقوده الولايات المتحدة – بدءاً بكف الرئيس الأميركي عن تجنب القرارات الدولية وارتكاب هفوات وأخطاء التردد والتملص من استحقاقات الساعة.

الرئيس أوباما قال ان ذلك العمل الوحشي «سيضاعف يقظة وتصميم التحالف الدولي لضمان الهزيمة الكاملة للتنظيم». والسؤال هو: كيف سيترجم الرئيس الأميركي هذا التعهد والتصميم بصفته قائد التحالف. فأقطاب التحالف عاتبون على باراك أوباما بسبب مواقفه السياسية الرافضة الوضوح والخالية من الاستراتيجية، كتلك التي تنص على ضرورة رحيل بشار الأسد انما بلا خريطة طريق ولا استعدادات عملية لتنفيذها. عاتبون أيضاً بسبب النقص في الاستعدادات العسكرية الأميركية العملية في اطار التحالف.

دولة الإمارات العربية علّقت عملياتها الجوية ضد «داعش» وطالبت الولايات المتحدة بحماية أكبر للطيارين في حال اسقاط طائراتهم وذلك عبر نقل المعدات الأميركية للبحث والإنقاذ من الكويت الى شمال العراق. وهي على حق بذلك.

الأردن سيحتاج أكثر وأكثر بعد اقدام الملك عبدالله الثاني على الأمر بتنفيذ حكم الاعدام بساجدة الريشاوي التي طالب «داعش» بإطلاق سراحها مقابل الطيار معاذ الكساسبة في الوقت الذي كان أحرقه حياً قبل شهر.

بعض العشائر الأردنية في البداية، وعندما أعرب الأردن عن استعداده لتبادل الأسرى، طالبت علناً بانسحاب الأردن من التحالف الدولي ضد «داعش» على أساس ان هذه ليست حرب الأردن. بعد نشر الفيديو، نهضت العشائر الأردنية بما فيها والد الطيار الشاب، داعية الى الانتقام وداعمة لقرار الملك عبدالله بتنفيذ الإعدام شنقاً والاستمرار في التحالف.

الأرجح ان «داعش» سيوسّع حلقة الانتقام وسيصعّد ضد الأردن. الارجح أيضاً ان الأردن سيستأنف المشاركة في الغارات الجوية للتحالف على «داعش» بعدما كان علّقها في أعقاب أسر الطيار الأردني. كل هذا سيتطلب من أقطاب التحالف، وبالذات الولايات المتحدة، اجراءات فعلية ومتطورة لتحصين الأردن. لعل اليابان ستكون من أوائل الدول التي ستقدم الدعم للأردن بعدما أعدم «داعش» ذبحاً الصحافي الياباني كينجي غوتو الذي ربط «داعش» بين اطلاق سراحه وبين اطلاق سراح ساجدة الريشاوي – ووافق الأردن على اطلاق سراحها مقابل اطلاق سراح الأسيرين الياباني والأردني، شرط اثبات انه على قيد الحياة. ولم يكن.

إذن، من المتوقع ان تكون هناك مراجعة شاملة وجدية لعمل التحالف الدولي في أعقاب الذبح والإحراق هذا الأسبوع. فلقد بات واضحاً ان الغارات بمفردها لن تحقق الهزيمة الكاملة لتنظيم «داعش»، وان لا مناص من استراتيجية سياسية وعسكرية جوية وبرية، أوسع وأوضح.

الأجواء الشعبية الدولية والعربية باتت اليوم أكثر تقبلاً لإجراءات أكثر صرامة وحسماً لوقف بشاعة الجريمة التي انتقلت من الذبح الى الحرق حياً بتصعيد مقصود ومتعمد من طرف «داعش» لاستدعاء الاستنكار، كما لاستدعاء المتطوعين في صفوفه، كما لاستدعاء الانخراط الأوسع للولايات المتحدة في الحرب ضده، ربما، إذا قرر قتل الرهينة الأميركية لديه، فهذه الرهينة الأميركية الشابة ابنة العشرينات تؤثر جداً في القرار الأميركي ونوعية الإجراءات الأميركية.

ذبح الصحافي الياباني وإحراق الطيار الأردني يشكلان تحدياً سافراً لأعضاء التحالف وللتذبذب الأميركي السياسي والعسكري. والكلام الذي يتم تداوله رداً على ذلك لا يقتصر على تصعيد العمليات العسكرية للتحالف وإنما يشمل أيضاً آفاق التفاهمات الممكنة – أو المستحيلة – بين الولايات المتحدة وروسيا حول الساحة السورية. كما يشمل البعد الإيراني النووي والإقليمي في الحسابات الأميركية، علماً بأن ايران تلعب دوراً مباشراً عسكرياً في سورية لصالح النظام وبقاء بشار الأسد في السلطة، وان النظام في دمشق يسوّق نفسه بأنه الشريك العضوي للتحالف في الحاق الهزيمة بـ «داعش».

من الناحية العربية، تعكس مواقف أطراف التحالف توافقاً ملفتاً، بل ومواقف مشتركة مهمة بين الدول الخليجية ومصر والأردن. وهذا يشكل نواة تفكير في تلك «القوة العربية» التي لا بد من النظر فيها عاجلاً أم آجلاً.

من الناحية الدولية، عادت المعادلة بين الولايات المتحدة وروسيا تطفو في الاعتبارات الاقليمية والدولية، فمحاربة «داعش» في سورية، ظاهرياً، تبدو موضع توافق أميركي – روسي، لأن البلدين يعتبران «داعش» عدواً. أما الاجراءات الضرورية في الاستراتيجية الأوسع التي تتطلب التخلي عن بشار الأسد لحشد الحملة ضد «داعش» فإنها تصطدم بحائط العلاقة الأميركية – الروسية وما تتطلبه التفاهمات بينهما.

والسؤال المطروح اليوم هو: ماذا تريد روسيا التي تقف حالياً في مواجهة مع الغرب في أوكرانيا وتتهم الولايات المتحدة والسعودية بـ «تجويع» الشعب الروسي بسبب تخفيض أسعار النفط؟ ما هي مطالب الرئيس فلاديمير بوتين الذي يدرك جيداً مخاطر «داعش» عليه في عقر داره وفي جيرته المباشرة؟ وهل هو جاهز لنوع من التأقلم مع الاحتياجات داخل سورية لجهة مصير بشار الأسد كي ينجح التحالف الدولي في الحاق الهزيمة بـ «داعش»؟ أم هل هو مصرّ على التمسك بالرئيس السوري تحت أي ظرف كان وبأي ثمن؟

وما هو الثمن الذي يريده فلاديمير بوتين؟ ما هي مساحة التفاهمات والمقايضات؟ أهي حصراً في اطار الاعتبارات

الى المنطقة العربية قريباً. لكنها ليست مرحلة انتصارات الراديكالية الإسلامية بأي من وجوهها المذهبية.