في الرابع والعشرين من شهر تشرين الثاني الذي يبدأ اليوم، ينبغي ان يتكشف مشهد جديد في مسار المفاوضات الجارية بين مجموعة الدول الخمس + واحد من جهة وايران من جهة اخرى حول برنامج الاخيرة النووي. كل المؤشرات تدل على ان الايرانيين، اقله جناح الرئيس حسن روحاني، يستعجلون التوصل الى بروتوكول اتفاق حول النووي الايراني مقترنا برفع عاجل للعقوبات الاقتصادية التي ارهقت اقتصاداتها الى حد بعيد. ولا يخفى وفقا للمواقف المعلنة ان طهران ترفض رفعا تدريجيا للعقوبات. في المقابل لم يعد خافيا ان ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما مهتمة جدا بالتوصل الى اتفاق حول النووي الايراني، على ان يفتح الاتفاق المذكور الباب امام تحول تاريخي في العلاقات بين واشنطن وطهران يذكر بالتحول التاريخي الذي حصل بين واشنطن وبيجينغ اثر زيارة الرئيس الاميركي الراحل ريتشارد نيكسون للعاصمة الصينية بتدبير من وزير خارجيته آنذاك هنري كيسينجر. وأرست علاقات اميركية – صينية مختلفة بلغت مرحلة الشراكة الاقتصادية الواسعة النطاق اليوم. كما انها بردت التوتر بين البلدين.
لم يعد سرا ان الرئيس باراك اوباما الذي يتفق اغلب المراقبين على انه فشل في ادارة السياسة الخارجية للولايات المتحدة في العديد من الاماكن، بات يرى في التوصل الى اتفاق مع ايران حول النووي بابا مشرعا لبناء علاقة جديدة مع ايران، يعيد اذا صحت توقعات اوباما وفريق المتحمسين لعلاقات تحالفية مستقبلية معها، نوعا من التحالف الاستراتيجي والشراكة بين البلدين كما كانت عليه الحال في عهد شاه ايران، ولكن بنكهة “آيات الله”.
اذا استندنا الى التقديرين الآنفي الذكر، فإننا امام طرفين يستعجلان كل لاسبابه الخاصة انجاز اتفاق نووي، والشروع في التفاوض الجديد حول العلاقات الثنائية، ولا سيما في ما يتعلق بمنطقة الشرق الاوسط التي تسعى طهران الى انتزاع اعتراف اميركي حاسم بدورها المركزي فيها.
هذه الفرضية قائمة، بل انها موضوعة على طاولات قادة مختلف العواصم الاقليمية المعنية، فضلا عن الاوروبية.
بناء على ما تقدم، تصبح القوى الاقليمية الكبرى الاخرى، ولا سيما السعودية وتركيا في وضع لا تحسد عليه. ومما يزيد حراجة وضع القوتين الاقليميتين الكبريين، انه فيما يوشك الاميركيون والايرانيون على ارساء قواعد علاقات اكثر حرارة في ما بينهما، يعجز السعوديون والاتراك اصحاب المصلحة الاولى في تحصين الاقليم من الاختراق الايراني المتعدد الوجه، عن بناء علاقة تحالفية جدية وعميقة، وهما يلتقيان حول ملفات عدة وفي مقدمها سوريا.
لا شك في ان الخلاف حول مصر جدي، ولكن في زمن تقلبات ادارة اوباما، هل يعقل الا يجد اطراف اقليميون كبار كالسعودية وتركيا ومصر، وسيلة لتشكيل محور في وجه الخطر الاكبر عليهم: الاختراق الايراني؟