IMLebanon

لبنان والمفاوضات: هل هدّد رئيس الوفد اللبناني بالاستقالة؟

 

لعلّها المرة الاولى التي يصدر فيها موقف لبناني رسمي يتحدث عن صعوبات تعترض المفاوضات اللبنانية – الاسرائيلية حول ترسيم الحدود البحرية، بينما تقصّد الوفد المفاوض التزام الصمت على الرغم من الخلافات التي سادت اجواء المفاوضات خلال الجلسة الاخيرة الماضية، والتي كانت سبباً في ارجاء جلسة كان مقرراً عقدها أمس.

 

وجاء لافتاً كلام رئيس الجمهورية ميشال عون بقوله إن “الصعوبات التي برزت في الجولة الاخيرة للتفاوض، يمكن تذليلها من خلال بحث معمق يرتكز على الحقوق الدولية ومواد قانون البحار وكل ما يتفرع عنها من نصوص قانونية”، مشيراً إلى “ضرورة استمرار المفاوضات لتحقيق الغاية من اجرائها، وإذا تعثر ذلك لأي سبب كان، يمكن درس بدائل أخرى”. ويعكس مثل هذا الكلام حرصاً لبنانياً على متابعة هذه المفاوضات من جهة، وعدم رضى عون عن الطرح الأخير للوفد اللبناني على طاولة المفاوضات خلال الجلسة الاخيرة التي عقدت برعاية اميركية في الناقورة. لغاية اليوم لم يصدر اي توضيح حول حقيقة ما طرحه الوفد اللبناني حول حق لبنان بمساحات اضافية من الحدود تقارب 2400 كيلومتر وليس مجرد 800 كيلومتر، التي كان انطلق ملف المفاوضات على أساسها.

 

إحدى الروايات تقول ان عضو الوفد المفاوض نجيب مسيحي كان أحضر خلال زيارته في عداد وفد لبنان الى جنيف هذه الخرائط. رواية اخرى تقول ان مستشار رئيس الجمهورية السابق طوني حداد هو من زوّد الجيش اللبناني بهذه الخرائط وحملها الى بعبدا، محاولاً اقناع رئيس الجمهورية باعداد رسالة وتوجيهها الى الامم المتحدة تتحدث عن حدود لبنان المعتمدة رسمياً. لكن هذا الطرح لم يقنع المحيطين برئيس الجمهورية ومن بينهم رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، فحاولوا ثنيه عن فكرة تقديم الرسالة التي يجب ان تعرض على مجلس الوزراء لنيل موافقته على اي خطوة تتعلق بتغيير الحدود. أعد رئيس الجمهورية نص الكتاب ووقعه بالفعل لكنه أحجم عن ارساله للامم المتحدة ما أثار حفيظة حداد الذي توعد امام بعض المقربين بالانتقام من باسيل. هنا تتراوح الآراء بين من يعتبر ان حداد اعطى الحق للبنان بالوثائق لحصة اضافية من حدوده، فيما اعتبر آخرون ان حداد نصب فخاً لعرقلة المفاوضات، فكانت النتيجة ان استفادت اسرائيل مما حصل وصورت لبنان على انه منقسم على نفسه. فأصدر رئيس الجمهورية قراراً باعفاء حداد من مسؤولياته والامتناع عن مقابلته قبل ان يغادر لبنان عائداً الى واشنطن.

 

وفيما كان أغلب الظن ان هذا الموضوع جمد، كانت المفاجأة ان ما طرحه الوفد اللبناني برئاسة العميد الركن بسام ياسين لم يكن مدرجاً في السابق، حيث كان قد تم الاتفاق على التفاوض انطلاقاً من خط “هوف”. طرح أربك الجميع ودفع اسرائيل الى الاعلان عن وجود طروحات عدة للبنان، واعطاها ذريعة لوقف جلستها الرابعة والعودة من مربع التفاوض المباشر، مقابل محادثات يجريها الوسيط الاميركي مع كل وفد على حدة. وبدل خط “هوف” صار لبنان يفاوض على عدم إحتساب اي تأثير لصخرة “تخليت”، مما يزيد مساحة حدوده البحرية حوالى 1400 كلم مربع بالإضافة الى المثلث الذي تحاول اسرائيل قَضَمه من لبنان. وهذا هو حق لبنان الصحيح والذي تحاول قيادة الجيش تثبيته لتصحيح الأخطاء السابقة، بالرغم من أن الحكومة اللبنانية لم تعدّل المرسوم 6433/2011 لغاية الآن.

 

تستند مطالبة لبنان على المادة 121 من الجزء التاسع من إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982والتي تنص على ما يلي: “ليس للصخور التي لا تُهيئ إستمراراً للسكن البشري أو إستمرار حياة إقتصادية خاصة بها، منطقة اقتصادية خالصة”.

 

وصخرة “تخليت” التي تحاول اسرائيل أن تحسب لها منطقة اقتصادية خالصة، تؤدي الى خسارة لبنان حوالى 1400 كلم مربع، وهي قانونياً لا تحسب فهي صخرة لا سكن عليها وليس لها حياة اقتصادية خاصة بها، ومقاييسها متعرجة فأقصى طول لها حوالى خمسين متراً واقصى عرض لها هو حوالى تسعة امتار، أي مساحتها بحجم شقة سكنية فكيف يطلب من لبنان ان يرضى بخسارة 1400 كلم مربع مليئة بالنفط والغاز بسببها؟

 

كان الطرح مفاجئاً للجميع ما تسبب بتوقّف المفاوضات والتزام الجميع الصمت محلياً، لا سيما “الثنائي الشيعي” ورئيس الجمهورية فهل يمكن ان يعارضوا حق لبنان باسترجاع هذه المساحات، حتى ولو لم يعرف حقيقة مصدرها؟ وهل يمكن للمؤسسة العسكرية ان تتبنى خرائط حدود جديدة وتقنع رئيس الجمهورية بها فتكون النتيجة توقف المفاوضات، في وقت يعتبر لبنان انه في امس الحاجة لبدء الاستثمار في ملفه النفطي. يطيب للبعض الغمز من قناة المصالح السياسية والحسابات الرئاسية هنا، وتفيد المعطيات الراهنة بوجود استياء على خط اليرزة بعبدا فيما يهدد رئيس الوفد المفاوض بالاستقالة في حال تراجع لبنان عن كامل حقه في مياهه الاقليمية، علماً أنه كان للمعنيين بالملف تحفظاتهم على ترؤس ياسين الوفد لأن الملف لم يكن قيد المتابعة من قبله في الماضي.

 

ثمة قطبة مخفية في ملف المفاوضات وما طرحه الوفد اللبناني لا احد يملك حقيقته الا المؤسسة العسكرية التي تلتزم الصمت، منذ انطلقت جولات التفاوض في الناقورة ما يستدعي السؤال: هل يمكن ان تكون المؤسسة العسكرية تسرعت في طرحها؟ أو كان يجب ان تتمهل في كشف كامل أوراقها حتى ولو كان الهدف رفع السقف في محاولة لتحقيق المبتغى؟