كما سبق أن ذكرنا في افتتاحية يوم الخميس الماضي بأننا مع المواطنين جميعا لم نعد نصدق بأن الوزارة العالقة في المجهول المخيف منذ ما يزيد على العام ستبصر النور. إلاّ أن «المعجزة» قد حصلت وأطل الرئيس المكلف على مواطنيه الذين سبق أن فقدوا الأمل، ملوحاً بملف التشكيل الذي تم التوافق عليه، وكان قد أطل بعد صلاة الجمعة ودمعة التأثر الشديد تسابق كلامه، وتتدافع إلى الإعلام الحاضر الناضر، مع كلمة وجدانية مؤثرة أكثر منها سياسية معبرة، وقد تجاهلت قدر الإمكان، كل خفايا وخبايا السياسة ومناوراتها، ودعت إلى تكاتف لا بد منه لوزراء آخر حكومة في هذا العهد الذي نام على التشكيل الحكومي ما يناهز سنة بأمها وأبيها ومآسيها التي طاولت البلاد والعباد بشتى صنوف الدمار والخراب، تمريرا للوقت الثمين وتمكينا للقوى الدولية والإقليمية المعروفة من فرض إرادتها على الشكل والفعل الذي عايشناه وعانينا من مرارته الحادة طوال سنوات خلت، وصولا إلى ما اعتبر بداية لخاتمة الأحزان من خلال تشكيل الحكومة العتيدة.
مما لا شك فيه أن قوى دولية وإقليمية عديدة، قد تنبهت مؤخرا إلى أن معالجاتها المتراخية والخاطئة والممزوجة بالمصالح الذاتية المشبوهة قد قصرت في تحقيق النتائح المرجوة لجهودها الإنقاذية المفترضة، فتساهلت في إطلاق شروطها ومطالبها من المنطومة اللبنانية الحاكمة، مركزة على طور جديد، يستهدف اختلاق وجود حكومة لبنانية مسؤولة يتشكل منها ذلك المدخل المشروع نحو الإصلاح ووقف الإنهيار القاتل الذي يتابع نهشه للوجود اللبناني لمصلحة تمكين بعض القوى المحلية من الإمساك بمقدراته جميعا لمصلحة المطامح والمطامع الإقليمية التي باتت تعض بقساوة على مواقع السلطات اللبنانية جميعا، كائنا ما كان أثرها على الوطن والمواطنين، طالما أن الهدف المرسوم والمشغول لتحقيقه يتركز ويتحقق ويتطور. انتفاضة المجتمع الدولي على ما فيها من ثغرات وهنات، قد دفعت إلى تسريع التشكيل الحكومي وحصوله على النحو الحافل بالملاحظات والمآخذ، إلاّ أنه رغم مثالبه العديدة، قد شكل مدخلا ما وأفقا ما، أفسح في المجال لتوقع بعض الإيجابيات المحدودة التي يمكن تحقيقها في هذا الوقت القصير جدا والمتبقي من عمر «العهد القوي» وإمكانيات إصلاحه وتغييره. الفرص الإصلاحية أكلتها المناورات والمصالح الشخصانية والطموحات التوريثية، وبالكاد، بقيت على قيد الحياة إمكانيات محددة، فتحت المجال أمام حملة إطلاق مبدئية وبدائية لبعض المشاريع الإصلاحية المتوقعة، مع تركيز شديد على التطلعات التفاؤلية الملقاة على الإنتخابات النيابية والبلدية القريبة، وما يقتضي أن يتبعها من تصفية لرواسب السنوات الأخيرة شديدة القساوة على اللبنانيين الذين دفعت بهم تطورات الأحداث المؤلمة والمذلة، إلى جنوح مؤلم نحو هجرة متعددة الأسباب والاوجه، تجلت خاصة في أوساط المجتمع المسيحي وفي إطار الفاعليات اللبنانية المتمثلة بجموع الأطباء والمهندسين وذوي الكفاءات الإنتاجية العالية، الذين تلقفتهم بلاد الله الواسعة بكل استيعاب وترحيب. هذه الحكومة الجديدة، بمنظار اللبنانيين المتلهفين إلى أبواب الرجاء والأمل والنهوض من مهاوي الدمار والخراب التي باتوا غارقين في مآسيها، ها هم يتجاوزون كل العثرات والثغرات وكل سيئات استنساخ حكومة محاصصة لئن لم تختلف شكلا عن حكومات السابق الأليم، فاللبنانيون يغضّون الطرف عن كل الثغرات، ويأملون خيرا في بعض البقايا من النوايا الحسنة التي قد تدفع الظروف الإقليمية والدولية إلى توفرها، مع إشارة لا بد منها إلى الهمة العالية التي واكبت المسيرة الحكومية من خلال رئيسها الذي نرجو أن تسمح الظروف والأوضاع وحسن نية الوزراء الجدد ورغبتهم المرتقبة في فتح النوافذ الإنقاذية أمام بلادهم المنكوبة، وبشكل خاص تأكيدا على رغبة رئيس الحكومة الجديد بالتركيز على وجوب تصحيح الأوضاع اللبنانية الملتبسة والمضطربة، مع أركان العالم العربي الفاعل ممثلا بدول الخليج وفي طليته المملكة العربية السعودية.
ونلمس دون شك، تلك الجهود المستجدة، خاصة لدى فئات الشباب من مواطنينا في جميع الأماكن والمناطق والإنتماءات المختلفةـ تلك الرغبة المتوثّبة لأداء دور ما في حياتنا العامة المقبلة خاصة في المرحلة التي ستستمر بعد الإنتخابات المقبلة، وهم في مطلق الأحوال، يفتحون عيونهم على الغارب للمراقبة والمحاسبة وبالتالي، فإن الحكومة الجديدة وأية حكومة ستلي في المرحلة اللاحقة فهذا الشعب الذي سُرق ونُهب ودُمرت أجزاء هامة من عاصمته وطاولته أعمال القتل والتشريد والإذلال على أشكالها وأنواعها جميعا، ليس لدينا أدنى شك بأن مقبل الأيام، سيشهد طويا لعديد من صفحات الماضي المذلة والتي لا تحصى ولا تعد وإن غدا لناظره قريب.