الولايات المتحدة لا تستعجل تشكيل الحكومة لأنّ مخطط تحويل كلّ مميّزات لبنان الى “إسرائيل” قد نجح
ليس من جديد على صعيد تشكيل الحكومة، ولا تقدّم في أي ملف آخر في البلاد.. فالشلل والمراوحة يسيطران على الوضع العام المنهار ككلّ، باستثناء بصيص الأمل الذي تفتحه كوّة المغتربين والسيّاح الذين يؤمّون لبنان رغم كلّ الأزمات التي يعاني منها، مثل الإرتفاع الجنوني لأسعار المحروقات والسلع والمواد الغذائية ومختلف الحاجيات وعدم توافر الكهرباء وفقدان الدواء وغير ذلك. وما يحصل بعد اللقاء الثاني الذي عُقد في قصر بعبدا، قبل عيد الأضحى بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي المكلّف تشكيل الحكومة الجديدة وحتى اليوم، يُذكّر بما كان يحصل بين الرئيس عون ورئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري لجهة تعثّر التأليف رغم 18 لقاء عُقد بين الرجلين. فهل سيستمرّ هذا التعطيل حتى نهاية العهد، ومَن المستفيد من ذلك؟!
تقول أوساط ديبلوماسية عليمة، إنّ الحجج التي يعطيها هذا الطرف أو ذاك لعدم حصول اللقاء الثالث بين الرجلين للبحث في التشكيلة الحكومية الثانية التي قدّمها ميقاتي للرئيس عون، تُعطّل مسألة مناقشة الصيغة الحكومية التي يمكن أن يوافق عليها الطرفان، كما تجرّ البلاد الى أشهر أخرى من التعطيل السياسي في ظلّ الأزمة الخانقة التي تعيشها، من دون إيجاد أي حلول لوقفها أو للحدّ من تفاقمها على مختلف الصعد. وهذا الأمر من شأنه أن يفاقم الإنهيار، ويزيد من نسبة الفقر والجوع، ويؤدّي الى انعدام قدرة المواطن على تأمين حاجاته اليومية من غذاء وماء ودواء، شيئاً فشيئاً. علماً بأنّ ميقاتي كان قد أشار الى وجود “انسجام” أو “نوع من التناغم” بينه وبين عون من شأنه تسهيل التوافق على صيغة حكومية تناسب الظروف الحالية.
غير أنّ البيان الأخير الذي صدر عن المكتب الإعلامي لميقاتي، وتحدّث عن طلب موعد من الرئيس عون، وجرى إبلاغه أنّه “سنعود إليكم بعد قليل”، وحتى الآن لم يتصل أحد، ولم يتمّ بالتالي تحديد أي موعد لميقاتي في قصر بعبدا… والبيان الذي طالب كذلك بـ “وقف ممارسات وتدخّلات بعض المحيطين برئاسة الجمهورية والذين يمعنون في الإساءة وعرقلة تشكيل الحكومة”، إنّما يوسّع الشرخ، الذي لم يكن موجودا أساساً، ويعرقل بحدّ ذاته، تجاوب الرئاسة معه. فالتشكيل يحتاج الى أجواء هادئة، والى وضع الإتهامات جانباً، وإلّا فإنّ بثّ الأخبار الموتّرة للأجواء، يجعل البلاد تصل الى الإستحقاق الرئاسي في ظلّ حكومة تصريف الأعمال.
وأشارت الأوساط نفسها الى أنّ ما وصلت اليه الحال في لبنان خلال الأشهر الأخيرة، هو ما كانت تطمح إليه الولايات المتحدة الأميركية والعدو الإسرائيلي. فالرئيس السابق دونالد ترامب لم يتمكّن من جعل “صفقة القرن” حقيقة واقعة سوى على الورق، في حين أنّ الإدارة الحالية تمكّنت من “القضاء” على لبنان، ومن تنفيذ المخطط “الإسرائيلي” من الباب الإقتصادي وليس من الباب العسكري. فقد جرّب “الإسرائيلي” استخدام القوة في تموز- آب من العام 2006 وهزم، وعادت البلاد لتقف على رجليها سريعاً بعد صدور القرار 1701 عن مجلس الأمن الذي نصّ على وقف الأعمال العدائية بين الطرفين.
غير أنّ الإنهيار الإقتصادي والمالي المفتعل في البلاد، قد أثّر سلباً في كون لبنان الرائد في منطقة الشرق الأوسط، على ما أوضحت الاوساط، على صعيد الإستشفاء والتعليم الجامعي ونظام السريّة المصرفية، والإستيراد والتصدير عبر مرفأ بيروت… وهذا الأمر جعل لبنان يفقد كلّ هذه المميّزات التي كان يتمتّع بها، وتُغيظ “الإسرائيلي” لمصلحة هذا الأخير الذي عزّز دوره في المنطقة على حساب لبنان. ولعلّ هذا ما كان يُخطط له “الإسرائيلي” منذ عقود، وقد حصل عليه بمساعدة حليفته الولايات المتحدة الأميركية. ويُحاول اليوم أن يستكمل هذا المخطط الجهنمي من خلال الإستيلاء على الثروة النفطية للبنان في المنطقة المتنازع عليها، من خلال مقترحات الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين “الملغومة”، والتي يُحاول عبرها الإيحاء بأنّه غير منحاز الى العدو، بل يريد للبنان أن يستفيد من ثروته بدلاً من أن يُبقيها مدفونة في الأعماق.
ولهذا، فإنّ دول الخارج لا تُبدي أي اهتمام بتشكيل الحكومة الجديدة في لبنان اليوم، على ما أكّدت الأوساط عينها، ما دام الرئيس المكلّف هو نفسه رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالية، ولن يكون هناك من منافسة أو صراع بينه وبين الرئيس المكلّف، في حال جرت تسمية شخصية أخرى لتشكيل الحكومة الجديدة.. كذلك فإنّ تغيير وزير في هذه الحقيبة أو في تلك لن يُحدث المعجزات، من وجهة نظرها، فلا داعي “للمحاربة” للقيام بهذا الأمر. غير أنّها مع أن يتمّ سحب وزارة الطاقة من يدّ “التيّار الوطني الحرّ”، في حال تمكّن ميقاتي من انتزاعها من مطالب الرئيس عون، كون رئيس “التيّار” النائب جبران باسيل سبق وأن أعلن عن عدم تمسّكه بها، وذلك لكي لا يقطف هذا الأخير ثمار المساعدة التي تقدّمها الولايات المتحدة في مشروع استجرار الغاز والطاقة من مصر والأردن عبر سوريا الى لبنان، خصوصاً وأنّها وضعته على لائحة العقوبات لكي تقطع الطريق أمامه للوصول الى قصر بعبدا. وترى الاوساط بأنّها “جرّبت” أداءه، كونه اتخذ دور “رئيس الظلّ”، من وجهة نظرها، طوال الأعوام الماضية ولم يتمكّن من تحقيق أي شيء، ولا حتى تأمين الكهرباء بعد 12 سنة من تولّيه ووزرائه وزارة الطاقة.
وتجد الاوساط بأنّ “استعجال” ميقاتي للقاء ثالث مع الرئيس عون، ليس بالضرورة حقيقياً، بقدر ما يهدف الى رمي المسؤولية في ملعب الرئيس عون، الذي حُمّل أساساً وزر فشل العهود والحكومات السابقة منذ “اتفاق الطائف” حتى اليوم. هذا الإتفاق الذي لم يكن موافقاً عليه منذ توقيعه في العام 1989، غير أنّه عاد وقَبِل به كونه أصبح دستور البلاد.
وبرأي الاوساط، أنّ ميقاتي من خلال الصيغتين الحكوميتين اللتين قدّمهما الى الرئيس عون حتى الآن، لا يبغي تحسين أداء الوزراء، أو أداء الحكومة الجديدة التي لا تلبث أن تنال الثقة في مجلس النوّاب، في حال تشكّلت خلال أسابيع ووضعت بيانها الوزاري الذي سيقتصر على بنود عدّة فقط، كونه لا يُمكنها أن تعد سوى بالقيام بأمرين أو ثلاثة، حتى تُصبح مستقيلة، مع انتخاب الرئيس الجديد في البلاد، إنّما إجراء بعض التعديلات السياسية عليها، إرضاء لأطراف في الداخل وفي الخارج. وفيما عدا ذلك، فبإمكانه الإستمرار على رأس حكومة تصريف الأعمال، وتفعيل عملها، ومواكبة الإستحقاق الرئاسي، من دون أي مشاكل.
وتختم الأوساط بالقول إنّ ميقاتي يلعب ورقته الأخيرة في التشكيل، وإذا لم يتجاوب معه الرئيس عون، فلا مانع لديه من إبقاء الأمور على حالها، وإن كان يُفضّل شخصياً أن يكون رئيساً لحكومة فعلية بدلاً من حكومة تصريف الأعمال. ففي حال طالت فترة “الفراغ” أو الشغور الرئاسي بعد انتهاء عهد الرئيس عون، يكون عندها قادراً على اتخاذ القرارات الحكومية بدستورية وقانونية وأريحية أكبر.