بعد أكثر من خمسين يوماً على قيام الحراك الشعبي، لا تزال المعادلة التي تتحكم بولادة الحكومة الجديدة هي نفسها: سعد الحريري وجبران باسيل معاً في الحكومة، أو معاً خارجها. تمسّك رئيس حكومة تصريف الأعمال بخيار حكومة الاختصاصيين فقط لأنه يرفض مجالسة رئيس “التيار الوطني الحر” إلى طاولة مجلس الوزراء، بحجّة أنّه منبوذ في الشارع وقد تجرّ عودته عودة وجوه سبق للحراك الشعبي أن أدرجها على اللوائح السوداء… ولو أنّ العامل الشخصي طغى على ما عداه في “صراع” الحريري- باسيل. وقد يكون انتهى لمصلحة الأول.
في المقابل، ساوى باسيل نفسه بالحريري، وربط مصيره بمصير رئيس “تيار المستقبل” كونه يعتبر أنّ عبور رئيس حكومة تصريف الأعمال معمودية الشارع دون سواه، يعني أنّ البقية مدانون بتهمة الفساد، الأمر الذي دفعه إلى رفض أي صيغة حكومية يكون الحريري على رأسها، طالما أنّ الأخير يرفض توسيع هامش حضور الطاقم السياسي في حكومته لضمّ وزير الخارجية.
قالها باسيل بشكل واضح: “حكومة اختصاصيين من رأس الحكومة وحتى أعضائها وإمّا حكومة سياسيين من رأس الحكومة إلى أعضائها، الميثاقية ثابتة وأولويتنا منع الانهيار”، مضيفاً: “إذا أصر الحريري على “أنا أو لا أحد” وأصرّ “حزب الله” و”أمل” على مقاربتهما بمواجهة المخاطر الخارجية بحكومة تكنو- سياسية برئاسة الحريري، نحن كـ”تيّار وطني حرّ”، وكـ”تكتّل لبنان القوي”، مع ترك الحريّة لمن يريد من الحلفاء، لا يهمّنا أنّ نشارك بهكذا حكومة لأن مصيرها الفشل حتماً”.
الأرجح أنّ رئيس “التيار الوطني الحر” حسم خياراته للمرحلة المقبلة: السلطة لم تعد تطعم خبزاً، والمعارضة في هذا الظرف الصعب هي المكان المناسب لاستعادة ما خسره “التيار” من حضور شعبي، طالما أنّه من الصعب سحب فتيل الانفجار المالي. حتى أنّ باسيل توقع الفشل الحتمي لحكومة الحريري.
هكذا، ينطلق الأسبوع على مشهدية سياسية جديدة ستطبع بنتيجتها الاستشارات النيابية التي ستحصل حكماً يوم الاثنين لتكليف رئيس حكومة جديد. وبعدما أقفلت دار الفتوى باب الترشيحات لتبعد كل الوجوه الأخرى عن حلبة منافسة الحريري، عاد رئيس “تيار المستقبل” مرشحاً أولاً وأخيراً.
من جديد ارتفعت حظوظ قيام حكومة من الاختصاصيين، بعدما شطب خروج باسيل من الدائرة، إحتمال عودة أي من نظرائه الذين كانوا أدرجوا على التشكيلة التي أعدّها سمير الخطيب، بحيث ستصير من الصعوبة عودة علي حسن خليل ومحمد فنيش وسليم جريصاتي، لمصلحة اختصاصيين بنكهة سياسية “لايت”، الأمر الذي يسهّل على الحراك الشعبي “هضم” هذه الحكومة ومنحها فرصة، ولو أنّها ستجد حكماً من سيرجمها ويرفضها.
وفق معلومات بعض المتابعين، سيكون الحريري يوم الاثنين رئيس حكومة مكلفاً ليبدأ جولة استشاراته النيابية غير الملزمة، فيما يتردد أنّ الرجل بدأ منذ حوالى الأسبوع جوجلة الكثير من الأسماء المرشحة للجلوس إلى جانبه الى طاولة مجلس الوزراء.
وتضيف المعلومات أنّ ميثاقية تسمية الحريري يفترض أن تتأمّن من سيبة ثلاثية: حركة “أمل”، و”الحزب التقدمي الاشتراكي” و”القوات” التي ربطت قرارها بحكومة من الاختصاصيين. طبعاً إلى جانب “تيار المستقبل” وبعض المستقلين. أما “حزب الله” فسيتوضّح موقفه اليوم من خلال كلمة الأمين العام السيد حسن نصرالله. وبالانتظار، كان موقف نائبه الشيخ نعيم قاسم الذي قال: “حزب الله” يتمنى ان يكون “التيار الوطني الحر” جزءاً مشاركاً في الحل إلّا أنه يعتبر قراره مشاركة في الحل”. وهذا ما يعني أنّ “حزب الله” لن يخوض معركة دخول “التيار” إلى الحكومة كما سبق أن فعل مرات عدة.
وفق المعلومات أيضاً أنّ هناك توجهاً جدياً لتسريع مشاورات التأليف لئلا تستهلك مزيداً من الوقت والكلفة المالية التي تتكبدها الخزينة العامة جراء كل يوم شلل يصيب البلاد، حتى أن بعض المتابعين يتحدثون عن انتهاء مشاورات التأليف قبل نهاية العام الحالي، لتكون بداية العام المقبل انطلاقة جدية للورشة الاقتصادية والمالية والعمل قدر الإمكان على تجنيب البلاد كأس الانهيار المر.