على بُعد خطوات من إعلان البيان الوزاري لحكومة العهد الأولى، وفيما أهل الحكم منشغلون بالصياغات اللغوية، فإن الناس منشغلة بأمور أخرى ليس أقلّها القلق المتزايد على الوضع الأمني الذي اهتز هذه المرة من بوابة مطار بيروت، هذه البوابة التي بدت وكأنها تريد أن تخطف ضوء التوترات من الساحة الجنوبية وما أكثرها. وإذا كان الجنوب لم يزل يشكل عامل اللاإستقرار الأول فإن ما شهدته بيروت في الأيام الماضية من فلتان لا سيما في محيط المطار، قد شكّل علامة سوداء لانطلاق الحكومة الجديدة ودعسة ناقصة كي لا نقول أكثر بالنسبة للحكم وأهل الحكم، وهنالك أكثر من سؤال يُطرح في هذا المجال وليس أولها، ما هي الحكمة من وضع الجيش في حالة تماس مع شعبه؟ وألم يكن بالإمكان تفادي هذه المواجهات من طريق الحوار ولا سيما ان جميع المعنيين هم من المشاركين في الحكومة، وما معنى أن يقوم رئيس حركة أمل بالطلب إلى الجيش للضرب بيد من حديد لإعادة فتح الطرقات وفرض الأمن؟ وألم يكن أجدى القيام بالاتصالات لمنع حصول ما حصل؟ كل ذلك يعيد الأمور إلى نقطة الصفر فالناس التي أملت خيراً بانتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس جديد للحكومة، قد أصابها الإحباط مرة أولى من طريقة تعاطي رئيس الحكومة في التشكيل، وممارسة الكيل بمكيالين مع الكتل النيابية فبدا وكأن هنالك وكما يقول المثل الشعبي «ناس بسمنة وناس بزيت»، والمرة الثانية التي أصابت اللبنانيين بالإحباط هي النكسة الأمنية غير المنتظرة وكأننا أمام هواة يمارسون الحكم ربما عن حسن نية ولكن بغياب الخبرة الضرورية.
حكومة متجانسة أم ماذا؟
لقد أراد رئيس الحكومة تشكيل حكومة متجانسة، أي بما معناه ذات نظرة موحّدة في معالجة الملفات والقضايا المتشعبة التي يعاني منها البلد وعلى رأس هذه القضايا الموضوع الأمني، فالقرار 1701 وملاحقه وتطبيقه هو الهمّ الأكبر، وإذا كان الجميع متفقاً حول ضرورة تطبيق هذا القرار وانسحاب العدو الإسرائيلي من المناطق المحتلة، فهل الجميع موافق على ملحقات القرار لا سيما في ما خص موضوع السلاح شمال نهر الليطاني، وموضوع حرية المراقبة الجوية المعطاة لإسرائيل على كامل تراب الوطن، وماذا عن موضوع ردع الخروقات التي يرى فيها العدو الإسرائيلي تهديداً لأمنه؟، هذه الخروقات التي قد تبدأ في ظهور السلاح جنوب الليطاني ومجرد وجوده شمالي الليطاني وصولاً إلى البقاع وعكار والحدود الشرقية ناهيك في حرية اغتيال هذا أو ذاك على كامل التراب اللبناني. كلها مسائل لم يصر إلى الاتفاق عليها مع الشركاء قبيل تشكيل الحكومة، فبقي كل وزير ومن يمثل حاملاً لوجهة نظر لا تتطابق مع الآخرين إن لم نقل متعارضة معهم. هذا في الموضوع الأمني فماذا عن موضوع الإعمار وقد سمعنا في اليومين الماضيين وجهات نظر متضاربة من السادة الوزراء حول هذا الموضوع وعلى من تقع مسؤولية إعادة الإعمار. هذا في الأمن والإعمار فماذا عن بقية الملفات؟
الطائف عالق بين التفسير والتنفيذ
جميع أهل الحكم متفقون على ضرورة تطبيق اتفاق الطائف بكامل مندرجاته، وقد عبّروا جميعاً عن ذلك ومن المنتظر أن يقول البيان الوزاري بذلك، وهذا ما ورد ذكره في كل البيانات الوزارية السابقة، وبالرغم من كل ذلك بقي اتفاق الطائف حبراً على ورق بحيث أنه لم يُطبق منه إلّا ما يناسب هذا الفريق أو ذاك، حتى أن الجزء المطبق منه كان هنالك استنسابية في التطبيق بحيث أن كل فريق كان يفسره بحسب أهوائه، وأن الحاكم القوي كان يتسلّط على القرارات، من هنا وقبل ترديد التأييد اللفظي للاتفاق ينبغي أن يتفق الجميع على كيفية تطبيقه وتفسيره، فاللغة العربية غنية بالألفاظ التي تعني الشيء وعكسه وكما يقال «هيدا العربي شو عويص»، فهل فعلاً يتفق كل الوزراء على كل ما ورد في الطائف؟ وهكذا فإن البيان الوزاري مع كل ما قد يحمله من إيجابيات قد يبقى مجرد كلمات وأفكار، وبالتالي تبقى العبرة بالتنفيذ.
الإنقاذ مسؤولية كل اللبنانيين
من هنا ومع كل تعقيدات الوضع اللبناني فإننا نقول وبكل بساطة أنه كان الأجدى وجود حكومة تمثل كل الاتجاهات السياسية وكل الكتل النيابية، أما وقد تعذّر ذلك لألف سبب وسبب، فإنه لا بد من الذهاب نحو طاولة حوار إن لم نقل مؤتمر وطني يجمع اللبنانيين ويكون منطلقاً لتفاهم واسع بين الجميع، وذلك كي لا يبقى البلد يعيش على وقع حكومة مساكنة، إذا «انفخت الدف سيتفرّق العشاق».