Site icon IMLebanon

 تعقيد المعَقَّد

 

 

لا يجوز على الإطلاق أن تستمرّ العلاقة متوتّرة، بل أضحت اليوم شبه مقطوعة، بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلَّف. إنّ هذه الحال بمثابة الكارثة على مستوى السلطات وفصلها وتعاونها. إنّ الموقِعين، وإستطراداً إنّ الرجلَين، محكومان بأعلى درجات التعاون. فحتى إشعار آخر، رئيس الجمهورية باقٍ في موقعه، والرئيس المكلَّف لن يعتذر عن عدم التأليف. أما إستمرار السلبية بينهما فليس له سوى نتيجة واحدة: دوام الفراغ في السلطة التنفيذية الذي لن تملأه حكومة تصريف الأعمال، بينما لبنان في إحدى أكثر مراحله دقّة وخطورة.

 

إذاً لا بدّ من تشكيل الحكومة. ولا مفرّ من أن يشكّلها سعد الحريري. ولا مناص من أن يُصدِر مراسيمها ميشال عون. وإذا كان خير البرّ عاجله، ولقد سقطت العجلة في دوّامة هذه الأزمة المتفاقمة، فعلى الأقلّ لا بدّ من إستدراك الأمر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

 

تحدّثنا أمس عن إفتقادنا إلى القوة الثالثة. فهذه غير موجودة، ولن تتواجد في المستقبل المنظور. فكيف السبيل إلى حلّ هذه العقدة؟ وهي في الحقيقة عقدة العقد عندما يكون التأليف مطلوباً في أقصى السرعة الممكنة وهو في الواقع مُستبعدٌ دون أيّ أفق!

 

أجل كيف السبيل؟

 

مؤسفٌ أنّ الجواب يبدو هذه المرّة مُستبعَداً جداً، بل ربّـما هو الأبعد قاطبةً، فلم يسبق أن سادت العلاقة بين الرئيسين المعنيين بالتشكيل هذا القدر الكبير من التردّي، ومن السلبيات، ومن الكلام الحادّ المباشر.

 

لذلك لا نرى بديلاً عن واحد من إحتمالين أحلاهما مرّ:

 

الإحتمال الأوّل، أن يحلّ الروح القدس فيُلهم قصر بعبدا وبيت الوسط على التوافق لإيجاد الحلّ الوسط على قاعدة «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم». وفي التقدير أنّ هذا الحلّ هو الأقرب وإن لم يكن الأسهل. هذا إذا أحسنّا النيّة وربطنا التعقيد بالرجلين وحدهما.

 

الإحتمال الثاني، أن تتدخّل القوى الخارجية المؤثّرة فتضغط في إتّجاه إستيلاد الحكومة العتيدة من رحم هذه المماطلة القاتِلة. والتدخّل الخارجي هو في نظرنا من حيث المبدأ مرفوضٌ، ولكنه في هذه الحال قد يكون «أبغض الحلال» إذ لا بدّ منه في وقت تبدو الأبوب، كلّها، مقفلةً أمام التأليف. وأما المفاتيح فضائعة في متاهة الخلافات والأحقاد والضغائن، وهذا الكم الهائل من تراكم سوء العلاقات.

 

كم يؤلمنا أن نقول هكذا كلاماً، ولكننا لا نجد بديلاً. مع إقتناعنا بأنّ الحكومة الآتية (وهي ستأتي مهما طال الزمن)، أياً كان شكلها، لن تكون أكثر من سوق عكاظ ولكن ليس للتنافس في قصائد من عيون الشعر إنما على تعقيد المعَقَّد وتجميد المُجَمَّد.