بعد سنوات من مطالبة الجمعيات النسائية بكوتا تضمن للّبنانيات ما لا يقلّ عن 30 في المئة من مقاعد مجلسَي النواب والوزراء، قدّم البيان الوزاري لحكومة الرئيس سعد الحريري بصيصَ أملٍ للمجتمع المدني والنسوي. فهو أكّد أنّ «الحكومة ستعمل مع المجلس النيابي على إدراج كوتا نسائية في قانون الانتخابات المنوي إقراره. كما ستعمل على إنجاز خطة استراتيجية لشؤون المرأة تشمل إطلاقَ ورشة عمل لتنزيه القوانين، والقضاء على التمييز ضد المرأة والتقدّم بمشاريع قوانين جديدة تحقيقاً للعدالة والمساواة».
شكّلت هذه الخطوة سابقةً بالنسبة للبيانات الوزارية، ولكنّها طبعاً لن تحمل لبنان إلى مصاف الدول المتطورة على سلّم حقوق المرأة والإنسان، إنّما ستحفظ ماء وجهه بعدما أصبح في المرتبة 143 من بين 144 دولة في العالم في عدد النساء في البرلمان، بحسب دراسة المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2016.
دول عربية كثيرة سبَقتنا إلى اعتماد الكوتا النسائية التي حقّقت نسَب مرتفعة لمشاركةٍ النساء، ففي برلمان الجزائر وصلت إلى 32 في المئة، و25 في المئة في برلمان العراق، و 31 في المئة في برلمان تونس، بينما لا تتعدّى نسبة النساء في البرلمان اللبناني الـ 3 في المئة.
أصداء إيجابية
وفي ظلّ هذا الواقع، لا زالت الجمعيات النسائية المنضوية تحت راية التحالف الوطني لدعمِ تحقيق المشاركة السياسية للنساء تَجول على الجهات السياسية بهدف إيصال مطالبها.
هي كانت لمسَت إيجابيةً في موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أكّد أمام الوفد النسائي الذي زاره أنّ «إقرار الكوتا ضرورة»، مشدّداً على أنه «ليس مع 30 في المئة كوتا، بل مع الثلث، أي 33 في المئة، وأنه شخصياً يطمح إلى تخصيص 50 في المئة من المقاعد النيابية للنساء».
وبدوره، دعَم رئيس الحكومة سعد الحريري مطالبَ النساء المحقّة، مبدياً أسفَه لأنّ المرأة غير ممثّلة سياسياً، موضحاً «أنّ المشكلة الأساسية في ذلك هي في ثقافة الأحزاب».
ضغط متواصل
وبدورها، تؤكّد الوزيرة السابقة وفاء الضيقة حمزة من التحالف الوطني لدعم تحقيق المشاركة السياسية للنساء، في حديث مع «الجمهورية» أنّ زيارة التحالف للرئيس الحريري «كانت إيجابية ومريحة وداعمة، خصوصاً أنه شدّد على أنه «لن يدخل أيّ انتخابات إن لم يكن فيها كوتا نسائية».
وعلماً أنّ الحريري لفَت إلى وجود «عدد كبير ممن هم ضدّ الكوتا النسائية في مجلس الوزراء»، تشير حمزة إلى استكمال التحالف ضغطَه على الكتل النيابية وتحرّكَه إلى جانب السياسيين المؤيّدين والمعارضين بهدف تحقيق إقرار الكوتا». وتلفتُ الوزيرة السابقة إلى أنّ «الأمر لم يعد يقتصر فقط على المطالبة بالكوتا بل يمتدّ إلى طريقة تطبيقها.
وتوضح: «نقوم بدراسات حول السيناريوهات المختلفة للكوتا حسب قانون الانتخاب المعتمد سواءٌ كان نسبياً أو أكثرياً أو مختلطاً»، مؤكّدةً المطلبَ الأساسي، وهو «30 في المئة من المقاعد كحدّ أدنى لتمثيلِ المرأة في المجلس النيابي، مهما كان القانون المعتمد».
قوانين جديدة
وبينما لازال لبنان دون قانون يعاقب المتحرّشين بالنساء في الأماكن العامة ومنها أماكن العمل، على رغم كونِ هذه الآفة مستشرية في المجتمع اللبناني، ها هي «الحكومة بصَدد تقديم عددٍ من مشاريع القوانين التي لها علاقة بالتحرّش الجنسي ضد المرأة وغير ذلك، وستَعمل على عرضها في مجلس الوزراء وإحالتها فيما بعد إلى مجلس النواب لإقرارها».
من جهته، أكد وزير الدولة لشؤون المرأة جان أوغاسبيان أنّ «فريق عمل الوزارة يراجع قوانين العقوبات والعمل والضمان الاجتماعي وغيرها بهدف تنزيهها من التمييز ضد المرأة»، لافتاً إلى أنّ الوزارة تعمل على 3 مستويات، وهي: «تنزيه القوانين من التمييز ضد المرأة، وبناء ثقافة المساواة من خلال الإعلام والتعليم بالشراكة مع المجتمع المدني، وتمكين النساء وبناء قدراتهنّ الذاتية».
وفي هذا الإطار، ترى الوزيرة السابقة وفاء الضيقة حمزة في حديثها مع «الجمهورية» أنّ «موضوع التحرّش الجنسي في الأماكن العامة هو مطلب أساسي للحركات النسائية»، ولكنّها تدرك في المقابل أنّ «تعديل القوانين المجحفة بحقّ النساء في لبنان يتطلب وقتاً ونضالاً ومطالبة ملحّة، فالتجارب السابقة علّمتنا أن لا شيء يتحقق إلّا بعد مسيرة طويلة من الضغوطات، والمعارك».
وتأسف حمزة لأنّ «الثقافة اللبنانية الموروثة ليست صديقةً للمرأة، وموضوع المساواة ليس في الذهنية السياسية الحالية». وتضيف: «أيّ فكرة نَطرحها لا تلقى صدى إيجابياً على الفور. بالنسبة للكوتا مثَلاً مرَّت 25 عاماً ونحن نطالب بها، وهذه المرّة الأولى التي يتمّ ذكرُها في البيان الوزاري، فالتغيير بطيء، والعمل ليس سهلاً في ظلّ العقلية الذكورية السائدة».
وزارة المرأة
إلى ذلك اعتبَرت الوزيرة السابقة أنّ «وزارة شؤون المرأة تشكّل صوتاً قوياً ضمن مجلس الوزراء لم يكن في السابق، بالإضافة إلى وجود الوزيرة عناية عز الدين المؤمِنة بقضايا المرأة، والكتل السياسية الداعمة للكوتا ولتعديل القوانين المجحفة بحق النساء». واعتبَرت حمزة أنّ ذلك «إيجابي وقد يسهّل تخطي مشاريع القوانين التي ستعدّل المرحلة الأولى في مجلس الوزراء لتتابع سيرَها إلى مجلس النواب»، آملةً أن يلتزم السياسيون بأقوالهم ويترجموها إلى مواقف داعمة في المجلس النيابي.