على الرغم من طغيان نبرة التشاؤم على الوسط السياسي، والمبالغة في طرح السيناريوهات الأسوأ في موضوع قانون الانتخاب، ومحاذير الفراغ الشامل في غيابه، فان منطق الفطرة السليمة يوحي بعكس ذلك. ومن المرجح الى درجة اليقين، ان القانون الجديد للانتخابات النيابية سيتم التوافق عليه في وقت ما قبل نهاية ولاية المجلس النيابي الحالي في العشرين من شهر حزيران المقبل. ومرد هذا الاقتناع يعود الى سببين: الأول، هو أن من العادات الموروثة لهذا الطقم السياسي المتوارث، نهج تحقيق الأهداف بالطرق الالتفافية والطويلة والصعبة والوعرة، وليس بالأساليب السهلة والمباشرة، وفقا لقاعدة ان أقصر الطرق بين نقطتين هو الخط المستقيم! والسبب الثاني، هو أن على رأس العهد قيادة صلبة بعقل استراتيجي وأهداف واضحة، في مقدمتها اعادة بناء الدولة على أسس ميثاقية بأسلوب الاصلاح والتغيير. وهي ستضغط بكل الوسائل الدستورية والمتاحة للتوصل الى قانون انتخاب جديد، لأنها تعرف يقينا انه بدون هذا القانون يعني ان العهد الجديد انتهى وهو لا يزال ملفوفا بالأقماط!
يتساءل كثير من المواطنين عن الأسباب التي جعلت العهد الجديد يتغاضى عن حالة الفلتان السياسي في النقاش حول صيغ قانون الانتخاب الى درجة التشبع والتخمة. غير أن الحكمة من وراء ذلك تظهر اليوم جليّة، إذ ان اطالة زمن النقاش حول قانون الانتخاب، حتى في هوامشه العبثية، هي التي قادت عمليا الى تعميم الاقتناع بصيغة النسبية في القانون العتيد، وهي التي كان لها الفضل في اجتذاب المعارضين والمترددين الى الموافقة على مبدأ النسبية، ولو بوجهات نظر مختلفة ولكن غير متضاربة. وبينما كان قانون الستين هو العشق الحرام والسرّي لغالبية من الكتل النيابية، أصبح اليوم هذا القانون من المحرّمات. وبينما كان القانون الأكثري وأسلوب المحادل والبوسطات هو السائد، انتقلت الغالبية عمليا الى الضفة الأخرى على عبّارة العهد!
غير أن اللغز الذي بقي بلا تفسير حتى الآن هو أن قيادات مؤثرة في التيار الذي كان هو الرافعة لولادة العهد الجديد، تتصرّف اليوم بصورة مغايرة لأدبيات التيار طوال عقود، ليس في الخطاب السياسي فقط، وانما في السلوك أيضا… وكان رئيس التيار الحالي الوزير جبران باسيل هو الذي ذهب بعيدا في هذا الخطاب الطارئ في موضوع مشاريع قوانين الانتخاب التي اقترحها حصرا. غير ان الوزير باسيل أبطأ كثيرا من دوران محركاته في هذا الشأن في هذه الآونة… ولكن في المقابل أدار وزير آخر من التيار محركاته بطاقتها القصوى في موضوع الكهرباء، هو وزير الطاقة سيزار أبي خليل. والمشروع الذي يدافع عنه الوزير بحماسة مفرطة على الرغم من تكلفته الباهظة وغير المنطقية، في بلد خزينته مثقوبة، هو في الواقع مشروع مستفز بكل المقاييس… فلا المشروع مقنع بمضمونه، ولا الوزير نفسه مقنع في هذا المنصب الذي يتولاه في الحكومة!
صحيح ان اللبنانيين يريدون تعميم اضاءة لبنان… ولكن ليس بأي ثمن!