IMLebanon

الإنسان الجديد هو الحلّ

أسئلةٌ كثيرة شغلتني في الآونة الأخيرة، ولمّا تزل. أسئلةٌ من نوع: أعضاء “تنظيم الدولة الإسلامية”، الذين يذبحون الناس يومياً في سوريا والعراق باسم إلههم، هل يمكن أن يُعَدّوا “بشراً”؟ مقاتلو الحروب الصليبية، الذين نهبوا ونحروا وحرقوا الأخضر واليابس في العصور الوسطى، أيضاً باسم إلههم، هل يمكن أن يُعَدّوا “بشراً”؟ عناصر حركة “طالبان” الذين – في عداد ما ارتكبوا من مجازر – أعدموا 132 طفلاً بريئاً في مدرسة في مدينة بيشاور، باكستان، يوم 16 كانون الأول 2014، هل يمكن أن يُعَدّوا “بشراً”؟ جماعة “بوكو حرام” الذين – في عداد ما ارتكبوا من مجازر – قتلوا أكثر من ألفي شخص في مدينة باغا، نيجيريا، بين 3 و7 كانون الثاني 2015، هل يمكن أن يُعَدّوا “بشراً”؟ ماذا عن الجيش العثماني الذي أباد ما يزيد على مليون ونصف مليون أرمني؟ ماذا عن منفّذي مذابح رواندا؟ ماذا عن بول بوت؟ كيم إيل سونغ؟ حافظ وبشار الأسد؟

هل أتشارك المكوّن الجيني والقاسم الإنساني نفسه، مع هؤلاء القتلة وأمثالهم؟ هل ننتمي إلى جنسٍ بشري واحد؟ أليس هنالك “نسخة” أخرى، راقية، من هذا الجنس البشري، يمكنني، وسواي ممن ليسوا كهؤلاء المجرمين، أن ننتسب إليها؟

شغلتني أيضاً، وتشغلني، أسئلةٌ من نوع آخر. كتب الشاعر الفرنسي لويس أراغون في روايته “مجنون إلسا” الصادرة في العام 1963 جملةً شهيرة لطالما لفتتني واستفزّتني: “مستقبل الرجل هو المرأة”.

حسناً. لكن تلك الجملة لم تقنعني تماماً، رغم أنها تمتدح الجنس الذي أُحسَب عليه. لم تعجبني فكرة أن المرأة ستكون “مستقبل الرجل”، لأن ذلك يعني، في ما يعني، أنّ الرجل سيصير “ماضياً”، بائداً، منقرضاً. ليس للمرأة، في رأيي (أنا النسوية، أجل)، أن تنوب عن الرجل. أن ترثه. أن تنتقم منه. أن تلغيه. ليس لها أن تؤسس نظاماً سلطوياً ظالماً يحلّ مكان نظامه البطريركي. كفى هذه الحروب الإلغائية العبثية! أليس هنالك “نسخة” أخرى، راقية، من الجنس البشري، يمكننا نحن الاثنين، الرجل والمرأة، أن ننتسب إليها؟

ثمّ وجدتُها. هذه “النسخة” الراقية من الجنس البشري التي أنشدُها، ليست سوى الإنسان مستوعباً اختلافاته ومتخطيّاً إياها (لا طامساً لها). الإنسان مستوعباً جنسه ومتخطيّاً إياه (لا رافضاً له). الإنسان مستوعباً خصوصياته ومتخطيّاً لها (لا متنكّراً لها). أيضاً وخصوصاً، الإنسان مستوعباً ومتخطيّاً كلّ ما يبثّ الكراهية ونزعة الأذيّة فيه.

الإنسان مجرّداً من كلّ تصنيف، ومن كلّ تأثير، إلاّ من إنسانويته.