Site icon IMLebanon

أي “شرق أوسط جديد” وسط الخلل “المخيف” في موازين القوى؟

 

عبّر مرجع ديبلوماسي عربي كبير عن قلقه المتعاظم يومياً نتيجة ما توقّعه من تطورات قادت إليها مجموعة حروب «وهمية» استغلت لإقامة «شرق أوسط جديد» ما كان ليطلّ بقرونه لولاها. وإن صحّت توقعاته، فإنّ ما سيحصل لا يمكن استيعاب مظاهره التي تتجلّى بما هو مرتقب نتيجة الخلل المخيف المستجد في موازين القوى بين محوري «الحلف الدولي» و»الممانعة» الذي استدرج إلى مستنقعه الغميق. وهذه بعض الدلائل والمؤشرات.

كان الديبلوماسي العربي الكبير منزوياً في رواق ضيّق ممسكاً بهاتفه المتصل بقيادته، وهو يتصفح مجموعة من التقارير الديبلوماسية التي تسلّمها قبل ساعات من مشاركته في منتدى إقليمي خُصص لمناقشة المستجدات التي شهدتها سوريا وانتهت إلى انهيار كبير تخطّت مساحته إلى بقية دول المحور من الضاحية اللبنانية إلى بغداد واليمن ومنها إلى طهران، في اللحظة التي انهار فيها النظام السوري بالطريقة الدراماتيكية التي لم يكن يتوقعها أحد من خطط للوصول إليها بقدرات كافية لرعاية الثورة التي كان من المتوقع ان تصبغ باللون الاحمر، فإذا بها «ثورة بيضاء»، بعدما أعدّت لها برامج لتقديم قادتها في شكل وصورة جديدتين.

 

 

وفي ظل التكتم الذي عبّر عنه الديبلوماسي امام نظراء له لم يتمكنوا من إخفاء القراءة الملتبسة لملامح وجهه، ولكن أحدهم ممن تجمعه به صداقة، نجح في استدراجه للحديث على قاعدة أن «المجالس بالأمانات»، فردّ بحذر شديد على مجموعة من الاسئلة طُرحت وكأنّها رشق من رصاص». وقال: «قد يرتكب المؤثرون في شعوبهم أخطاء لا تُغتفر. ألا يُقال عندكم وعندنا أنّ «غلطة الشاطر بألف». والفظيع أن تُقاد مجموعة شعوب إلى التهلكة ولسنوات عدة، ولم يكتشف أي منهم ما قصده مشغليهم، تكون الطامة الكبرى. لقد ارتُكبت أخطاء صغيرة وإن كان بعضها مبرراً فلا يجوز التمادي في ارتكابها لتتحول «جريمة مركبة». اما «وقد تكرّرت ولم يحاسبهم احد فأدت إلى وصلنا اليه».

 

وعندها، لم يتحمّل صديق الديبلوماسي تقبّل وفهم مجموعة الألغاز بعبارات نظيره المتقدّم في السن والخبرة – والتي اختارها بعناية. قبل أن يفصح عمّا قصده في إشارة منه إلى انّه كان على قادة «محور الممانعة» الّا يخفوا الحقائق عن شعوبهم»، وقد كان واضحاً انّ انغماسهم في مجموعة الحروب من اليمن إلى لبنان وفلسطين وصولاً إلى سوريا، انّ هناك قدرات لا يمكن ان توفر لمن افتعلها ان تنافس ما لدى الحلف الدولي قدرات عسكرية وتكنولوجية ومالية. وهي قدرات لا تُقاس بحفنة من الأموال ومجموعة من المسيّرات والصواريخ البعيدة والقصيرة المدى التي أثبتت قلّة فاعليتها «غير الصوتية» التي لا تفوق كلفة تشغيل سنوية لحاملة طائرات وما يرافقها من مدمّرات وزوارق حماية وتموين وما تحمله من طائرات واجهزة مراقبة وتجسس وتنصت، باتت قادرة على إحصاء أنفاس خصومها اينما وجدوا فوق الارض وتحتها. وقد استُغلت لتشكيل مجموعات مسلحة اكتسبت منذ انطلاقتها – اياً كان حجم عديدها ومدى استعدادهم للجهاد والتضحية والموت حتى الاستشهاد – صفة الإرهاب وتلاحقها تهمة استغلال «الخاصرة الضعيفة» من اجل القيام بأعمال دهس او نحر محدودة في نتائجها وانعكاساتها على أمن عدو محتل قبل تصويرها وكأنّها انتصارات كبيرة هدّدت أمن وسلامة دولهم.

 

 

ولم يفصح الديبلوماسي العتيق عن معلومات اضافية، لكنه عبّر بدقّة عن الوضع في المنطقة وما انتهت اليه بتدمير غزة، وتبخّرت معها احلام الفلسطينيين «بإدارة بلدية». ودمّرت مساحة لبنانية اكبر من مساحة غزة مع استحالة عودة عشرات الآلاف إلى بلداتهم. وأُسقطت سوريا في اقل من 10 ايام، وسمحت العنجهية التي تفاخر بها اسرائيل بتدمير اسلحة جيشها الجوية والبحرية والصاروخية والمدرعة في مخازنها، وهي التي لم تُستخدم يوماً بما يهدّد امنها وأمن الجولان المحتل منذ 57 عاماً. وباتت على مسافة 12 كلم من دمشق وطوقت لبنان بخط حدودي يفوق الـ 30 كلم.

 

وإلى هذه المعطيات الكارثية لا تفوت الاشارة الى احتمال ان تطاول الضربة الاسرائيلية بعد اليمن من وقت لآخر، العراق المنهك منذ سنوات تلت القضاء على نظام صدام حسين، وان تجددت العمليات تجاه إيران فقد تزيد في الطين بلة في مرحلة لم يفهم العالم بعد ما انتهت إليه ضربة الخريف الاسرائيلية الاخيرة إن كانت طهران ومحيطها تفتقر الى ساعات الطاقة الكهربائية. وكل ذلك يمكن اختصاره بمعادلة بسيطة تقول: عن أي «شرق اوسط جديد» نتكلم في ظل الفوارق الهائلة في موازين القوى بين دولة يهودية الصبغة وعالمية الدعم بعد المنشأ تعربد في سماء لبنان وسوريا فلسطن واليمن وربما في العراق وايران قريباً، وبين مجموعة دول تحولت جيوشها شرطة مدنية لادارة معابرها الحدودية وتنظيم حركة السير ومنع المخالفات المرورية وملاحقة لصوص التهريب والاتجار بالعملة الاجنبية والاعضاء البشرية والآثار والمخدرات على انواعها، إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً.