بعد انتخاب المجلس النيابي الجديد المؤلّف من 128 نائباً، من أقلّ من نصف الناخبين اللبنانيين، بدأت القوى والأحزاب السياسية، فضلاً عن النوّاب المستقلّين المعارضين وقوى التغيير بإجراء حساباتها لتشكيل الكتل النيابية، كي لا تبقى متشعّبة وبالمفرّق ولا “كلمة وازِنة” لها في المجلس الجديد. وإذ تشير المعلومات الى أنّ الأكثرية الحالية لم تعد في البرلمان الجديد “الأكثرية المقرّرة”، إذ ينقصها عدداً من المقاعد النيابية لتُصبح كذلك، ألمحت الى أنّه لن يكون هناك أكثرية لدى الفريق الآخر أيضاً. ففريق 14 آذار وقوى المعارضة المستقلّة والنوَّاب التغييريين، في حال اجتمعوا معاً في حلف نيابي واحد يُشكّلون “أكثرية جديدة”، غير أنّ هذا الأمر مستبعد جدّاً، الأمر الذي يُبقي “الأكثرية الحالية”، “أكثرية”، وإن كانت ستجد بعض الصعوبة في أن تكون “مقرّرة”، على ما كانت عليه، وذلك نظراً لتشتّت بقية الكتل النيابية والوجوه السياسية الجديدة.
مصادر سياسية مطّلعة أوضحت أنّ التحالفات الإنتخابية التي شهدتها الإنتخابات الأخيرة في لبنان والخارج، والتي جمعت أحياناً بين أخصام سياسيين في لائحة إنتخابية واحدة، أو في لائحتين أو أكثر، مع تجيير الأصوات لبعضها البعض، هي تحالفات ظرفية، انتهت مع إقفال صناديق الإقتراع. أمّا الهدف منها فبدا واضحاً، وهو الحصول على مقعد نيابي في هذه الدائرة أو تلك. ولكن بعد أن “راحت السكرة وإجت الفكرة” بعد الإنتخابات، فإنّ عدداً كبيراً من هذه التحالفات لا يُمكن أن يصمد ويتواصل داخل مجلس النوّاب لاعتبارات سياسية عدّة.
وقالت بأنّ التحالف بين “القوّات اللبنانية”، والحزب التقدّمي الإشتراكي، على سبيل المثال، والذي أكسب الطرفين مقاعد نيابية في الجبل، من الصعب أن يستمرّ في مجلس النوّاب. والأمر نفسه بالنسبة للتيّار الوطني الحرّ الذي تحالف مع بعض المرشحين في بعض الدوائر مثل المرشح الفائز عن المقعد الأرثوذكسي سجيع عطية في عكّار الذي سرعان ما أعلن أنّه نائب مستقلّ مدعوم معنوياً من عصام فارس، ولن يكون ضمن كتلة “التيّار الوطني الحرّ”، بعد أن اعتقد البعض أنّه قد ينضمّ اليها. فيما يُتوقَّع أن تتوسّع كتلة “التيّار” من خلال انضمام نوّاب جدد وسابقين عدّة اليها. كذلك فإن “التيّار” لا يتوافق سياسياً اليوم مع “حركة أمل”، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال عدم تحالفهما الفعلي إنتخابياً في جزّين، ما أدّى الى خسارتهما لثلاثة مقاعد للمرشحين أمل أبو زيد، وزياد أسود، وإبراهيم عازار، فيما لو كان تحالفهما قائماً لكانا حصدا جميع هذه المقاعد.
أمّا النوّاب السنّة الذين فازوا في بيروت مثل فؤاد المخزومي ومحمد الحوت وعدنان طرابلسي ونبيل بدر وسواهم، وفي طرابلس مثل أحمد الخير وأشرف ريفي وعبد الكريم كبّارة وجهاد الصمد وآخرين، وفي صيدا مثل أسامة سعد وعبد الرحمن البزري، فلن يُشكّلوا معاً كتلة سنيّة، على ما أكّدت المصادر نفسها، سيما وأنّ كلّاً من هذه الشخصيات يطمح لترؤس كتلة برلمانية، ولوراثة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، ولهذا سيتوزّعون على بقية الكتل أو ينضمّون الى بعضها. كما سيقوم نائبا صيدا بتشكيل كتلة وطنية مصغّرة، ومن الممكن أن ينضمّ المرشح الفائز محمد يحيى الى تكتّل “التيّار الوطني الحرّ”.
وفيما يتعلّق بالنوّاب المستقلّين المعارضين، أشارت الى أنّ وضعهم مشابه للنوّاب السنّة، فمن غير الممكن أن يُشكّلوا كتلة نيابية معارضة، بل سيتحالف كلّ منهم مع الفريق السياسي الأقرب اليه. كذلك الأمر بالنسبة لمجموعات المجتمع المدني، والتي اتت على أساس خلق لوبي تغييري في المجلس النيابي الجديد يكون قادراً على قلب المعادلة وإحداث التغيير المنشود، فَهِي لن تتوحّد في كتلة واحدة، بحسب رأي المصادر عينها، والدليل أنّها تنافست فيما بينها على لوائح عدّة، ولم تجتمع في لوائح موحّدة بهدف إسقاط اللوائح الحزبية، سيما وأنّ لكلّ منها وجهات نظر سياسية مختلفة.
ووسط هذه التقسيمات التي لم تظهر معالمها بشكل نهائي بعد الى حين بدء ولاية المجلس النيابي الجديد، وانتخاب رئيسه، بدأ الكلام عن نوع الحكومة التي يجب أن تُشكِّل لاستكمال المهمة الإنقاذية لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي الحالية، ولمواكبة استحقاقي الإنتخابات البلدية والإختيارية والرئاسية. وتجد المصادر عينها، أنّه مع تعدّد الوجوه النيابية الجديدة، واختلاف مواقفها، ووصول نوّاب من جماعة إسقاط “كلّن يعني كلّن” قد لا تؤيِّد عودة رئيس الحكومة الحالي الى السراي الحكومي، بل ستسمّي خلال الإستشارات النيابية شخصية مستقلّة. وهذا الأمر يجعل حظوظ الرئيس ميقاتي متدنّية، فيما عدم التوافق على إسم سُنّي لتشكيل الحكومة الجديدة من شأنه إبقاء ميقاتي على رأس حكومة تصريف الأعمال لأشهر عدّة قد تطول الى حين موعد الإستحقاق الرئاسي في تشرين الأول المقبل.
وأبدت المصادر خشيتها من عدم توافق المجلس النيابي الجديد لا على إسم رئيس الحكومة الخلف لميقاتي، ولا على نوع الحكومة ولا على وزرائها، وصولاً الى عدم التوافق على إسم رئيس الجمهورية الجديد، ما من شأنه تمديد الأزمة الإقتصادية والمالية في البلاد، وقد بدأت بوادر تصاعدها فور انتهاء العملية الإنتخابية من خلال الارتفاع الجنوني الجديد لسعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء وتخطّيه الثلاثين ألف ليرة لبنانية في غضون يومين، وسط عدم قدرة المواطن اللبناني على تحمّل المزيد من تداعياتها على حياته اليومية.