IMLebanon

«أكثريتان نيابيتان» في جلسة واحدة؟!

 

لن يطول الحديث عن نتائج انتخابات رئيس مجلس النواب ونائبه وهيئة مكتب المجلس، وعمّا انتهت إليه لعبة انتخابية، بين فريق محترف إتقن صوغ التفاهمات وعقد الصفقات السرّية الجماعية والإفرادية، وآخر يستعد لدخول الحياة النيابية، وهو ما ادّى الى إضاعة البوصلة. وعلى الرغم من مجموعة التحليلات التي فرزت بين رابح وخاسر، فقد أظهرت المواجهة الأولى وجود أكثريتين في جلسة واحدة. وعليه، كيف يمكن شرح هذه المعادلة؟

إستُحضِرت كل الارقام التي أنتجتها الجلسة العامة الاولى للمجلس النيابي الجديد لانتخاب الرئيس نبيه بري لولاية سابعة ونائبه الياس بوصعب وأميني السر والمفوضين الثلاثة، في لقاء مجموعة من المتابعين، لكثير من التفاصيل التي تعيشها الساحة اللبنانية، عقب ما انتهت اليه الانتخابات النيابية العامة في 15 ايار الماضي. وبعد ان أُخضعت الأرقام التي أفرزتها العملية الانتخابية للتحليل، إنقسمت الآراء حولها والظروف التي قادت إليها، بمعزل عن كل ما سبقتها وتلاها، وخصوصاً تلك التي انتهت إليها، قياساً على مجموعة الآراء المتناقضة التي عبّر عنها المجتمعون.

 

وعلى الرغم من الخلافات في قراءة النتائج والأرقام، وما يمكن ان تؤدي اليه، فقد أجمع المشاركون في النقاش على سلسلة من الملاحظات الجامعة التي تشكّل قواسم مشتركة، ويمكن ان تحيي جدلاً لا نهاية له. فمختلف الآراء التي تبرّر وجهات النظر المختلفة، كان لها ما يعززها ويسندها. والغموض المحيط بعملية التصويت وصعوبة «إلباسها» لهذا النائب او ذاك، لا يتعدّيان الفروقات القليلة في الأصوات التي نالها بري، من دون ان يكون له أي منافس سوى مجموعة الأوراق البيض وتلك التي حملت رسائل محدّدة ادّت الى اعتبارها ملغاة، كما بالنسبة إلى المرشحين لمقعد نائب الرئيس، والتي أبقتهما «على المنخار» طوال الدقائق التي استغرقتها عملية الفرز في المرحلتين الاولى والثانية.

 

وبعد الإجماع على توصيف ما جرى أنّه كان من نتاج مطبخ انتخابي يتقن القراءة الاستباقية للتوجهّات الانتخابية ويقيسها بـ «ميزان الجوهرجي»، ثبت بوجه شرعي لا لبس فيه، ما عكسته العملية الانتخابية في مرحلتي انتخاب الرئيس ونائبه، وجاء توحيد أرقامهما بالحدّ الأدنى القانوني الذي يضمن فوزهما، خير دليل، من دون ان تنسحب هذه المعادلة على بقية مجريات العملية الانتخابية.

 

فقد كان واضحاً استحالة التوصل إلى أي شكل من أشكال التوافق او التزكية كما كان يحصل من قبل عند تشكيل هيئة مكتب المجلس. وهي نظرية عبّرت عنها المناقشات الحادة والتفسيرات المختلفة حول مواد النظام الداخلي التي تحكم آلية انتخاب أميني السر والمفوضين الثلاثة، لتأتي ترجمة للعرف الذي يوزع المواقع الخمسة بين المذاهب الإسلامية والمسيحية. وهي من الأعراف التي ليس من السهل التلاعب بها او تعديلها، قبل إعادة النظر بقانون الانتخاب وإنشاء مجلس الشيوخ، الى ما تفرضه هذه الصيغة من تعديلات جوهرية لم يتمّ التوصل الى التوافق بشأنها بعد. وهي التي شكّلت مناسبة وفرصة استغلّها بري لـ «يتباهى» أمام أعضاء المجلس القدامى والجدد بأهمية ما كان ينجزه من تفاهمات مسبقة تحول دون البحث في ما شهدته الجلسة من مناقشات على خلفيات مذهبية وطائفية، سبق ان كرّستها الأعراف ولم يلحظها النظام الداخلي للمجلس في وضوح وصراحة، قبل ان تثبت النتيجة التي تمّ التوصل اليها، بعدم قدرة أحد على خرقها وتجاوزها كما لم يفعلها أحد من قبل.

 

واستناداً الى ما تقّدم، فقد أجمع الحاضرون عند البحث عن مصير الأكثرية والأقلية النيابية في تركيبة المجلس الجديد، على انّ جلسة أمس الاول عبّرت عن وجود اكثريتين في جلسة واحدة. فما تمكن بري من حصده من الأكثرية المطلقة التي ضمنت له الفوز من الدورة الاولى، لم تكن هي نفسها التي حكمت معركة نائب الرئيس. فلكل من الرئيس ونائبه أكثرية خاصة بكل منهما، وقد ارتبط تكوينها بالنظرة الى الشخص من دون الموقع. فليس هناك من ينكر انّه كان للتجديد لبري دورة سابعة من دون انقطاع، أكثرية غير تلك التي أنتجها انتخاب نائبه. فانتقال كتلة «اللقاء الديمقراطي» بما فيها نواب الحزب «التقدمي الإشتراكي» ومعهم مجموعة النواب من قدامى «المستقبل» وعدد من كتلتي «لبنان القوي» و«إنماء عكار» المُحدثة، وعدد لا يستهان به من المستقلّين، من ضفة الى أخرى بين محطتي انتخاب الرئيس ونائبه، عوّضته الأكثرية الساحقة من نواب «الثنائي الشيعي». فقد صبّوا بمعدل 26 من 27 لصالح نائب الرئيس، حتى تساوت الموازين بالحجم القليل من الأصوات التي ضمنت الفوز لبوصعب.

 

وإن وجّه البعض اللوم إلى بعض النواب التغييريين الذين «تلهّوا» في المرحلة الأولى من انتخاب نائب الرئيس بالأوراق البيض وبالشعارات التي ألغت أخرى، فقد كان عليهم التنبّه إلى انّ صوتاً واحداً كان كفيلاً بإعطاء الارجحية لبوصعب، عندما انتقل من محطة الـ 64 صوتاً الى محطة الـ 65 التي نالها. وهنا يمكن التصويب، انّ لو أُضيفت الأوراق الـ 13 الى الأصوات الـ 59 للسكاف التي نالها من الدورة الأولى، لكان التوازن تحقّق بدقّة بينهما بمعدل 64/64، ولن يضمن فوز السكاف. ولذلك توجّهت الانظار الى إمكان تحديد اسم النائب الوحيد الذي نقل بوصعب إلى مرتبة الـ 65 صوتاً في الدورة الثانية. وقد ضاعت الحسابات في إمكان الإشارة اليه، سواء انتقل من لائحة أصحاب الأوراق البيض او الملغاة، أو من ناخبي السكاف في الدورة الأولى، فالنتيجة واحدة ولا فارق في ما تحقق من نتائج.

 

وعلى هذه الخلفيات، انتقل الحديث عن طريقة تكوين الأكثريات النيابية في المرحلة المقبلة. فاتفق الجميع على وقف الجدل في شأنها انتظاراً لأي محطة يُطرح فيها أي موضوع للبت به. فهناك أكثريات مضمونة في بعض الملفات الاستراتيجية كما يعتقد أصحاب الاكثرية التي فازت في أولى المواجهات امس الاول، فيما يعتقد الآخرون انّ ذلك سيكون لمصلحتهم في ملفات وعناوين أخرى. وهنا تكمن المعضلة الأساسية التي سترافق البحث عن «الأكثرية الضائعة» في مصير استحقاق تسمية الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة في أقرب الاستحقاقات المدبّرة على البلاد، إلى ان يصل الجميع الى استحقاق انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية.

 

وعندها يمكن البحث مجدداً عن «الأكثرية المطلوبة» التي ستأتي بالرئيس المكلّف. وهي محطة يدفع الاقتناع بها الى انتظار الأجواء الاقليمية التي ستحسم هذا الاستحقاق، وعندها يخلق الله ما لا تعلمون. فنواتها ستتكوّن مما يجري طبخه في الخارج، قبل ان يصل المدققون في البحث عن «الاكثرية الجديدة» التي توفّر الانتقال من عهد إلى آخر، إن بلغت البلاد هذه المرحلة الدستورية المحاطة إلى اليوم بكثير من الغموض. ولذلك اتفق الجميع على القول، إنّ كل شيء قابل للبحث والتطور في حينه، مع التحذير من القول المأثور: «من طلب الشيء قبل أوانه عوقِب بحرمانه».