Site icon IMLebanon

أقلية «حديدية» تدير البرلمان في مواجهة أكثريات متناثرة

 

تبين من خلال القراءة الأولية للمشهد السياسي الذي طغى على أول جلسة نيابية للبرلمان اللبناني المنتخب التي خُصصت لانتخاب رئيس البرلمان ونائبه وأعضاء مكتب المجلس بأن الركون إلى انقسام النواب بين أكثرية وأقلية كما في السابق ليس دقيقاً، وكما دل انتخاب النائب في «التيار الوطني الحر» إلياس بوصعب نائباً لرئيس المجلس النيابي بدلاً من منافسه الدكتور غسان سكاف وبعدد من أصوات النواب جاء متطابقاً لعدد النواب (65 نائباً) الذي أمن فوز الرئيس نبيه بري بولاية سابعة وأيضاً للنائب العوني آلان عون لمنصب أمين السر في هيئة مكتب البرلمان.

فالمفاجأة لم تكن في انتخاب بري في الدورة الأولى بعد أن اقترع له النواب الأعضاء في «اللقاء الديمقراطي»، وإنما في تأمين «تهريب» العدد المطلوب من أصوات النواب المحسوبين افتراضياً على الأكثرية لضمان فوز بوصعب وعون، وهذا ما يفتح الباب أمام السؤال عن أي أكثرية نيابية يجري الحديث عنها، ما دام أنها تحولت في أول جلسة للبرلمان إلى أكثرية افتراضية تفرعت عنها مجموعة من الأكثريات المتناثرة كانت وراء تشتت أصواتها التي ظهرت في انتخاب النائبين العضوين في تكتل «لبنان القوي»، فيما حرصت القوى التغييرية على تقديم نفسها على أنها قوة معارضة بالمطلق خرقته في اقتراعها في دورة الانتخاب الثانية لمصلحة النائب سكاف.

والتساوي في أصوات المقترعين لبري وعضوي هيئة مكتب المجلس بوصعب وعون ليس وليد الصدفة، وإنما بفضل رافعة «حزب الله» الذي تولى هندسة توزيع الأصوات ولعب دوراً في استمالة النواب المحسوبين على الأكثريات لتأييد النائبين المنتمين إلى تكتل «لبنان القوي» برئاسة النائب جبران باسيل ونجح في تأمين التواصل بين الأخير وبري مروراً بقيادة «المردة» بزعامة النائب السابق سليمان فرنجية.

لذلك فإن ما يسمى بالأقلية في البرلمان تحولت برعاية «حزب الله» إلى قوة «حديدية» متراصة تمكنت من اختراق مجموعة من النواب المستقلين المصنفين على خانة انتماءاتهم للأكثريات المتناثرة، وإن كان هؤلاء اقترعوا بملء إرادتهم للرئيس بري ولا يعود الفضل للحزب في إقناعهم بالتجديد له لولاية سابعة مختلفة عن الولايات السابقة التي حصد فيها العدد الأكبر من النواب تخطى بالعشرات الرقم الذي ناله هذه المرة بحصوله على 65 نائباً أي نصف عدد النواب زائدَ واحدٍ.

وفي المقابل فإن الأكثريات المتناثرة في البرلمان تحولت إلى شاهد تراقب ما يدور من حولها من دون أن تتوحد في جبهة واحدة تمنع الأقلية من السيطرة على هيئة مكتب البرلمان، باستثناء إعادة انتخاب النائب في «اللقاء الديمقراطي» هادي أبو الحسن بالتزكية أميناً للسر للمرة الثانية على التوالي.

ولعل توزع الأكثرية الافتراضية على أكثريات متناثرة طرح أكثر من سؤال حول غياب الدور السني عن الجلسة والذي اقتصر على ملء المقاعد النيابية المخصصة للطائفة السنية من دون أن يسجل لهم الحضور النيابي في جلسة الانتخاب على غرار الدورات الانتخابية السابقة.

فدور النواب السنة قبل انعقاد جلسة الانتخاب وفي خلالها كاد يقتصر على حضور إعلامي – استعراضي من دون أن يترجم بتدخل فاعل يؤدي إلى تبدل النتائج وتحديداً بالنسبة إلى انتخاب نائب رئيس البرلمان، وكأن بعضهم بغياب المرجعيات السنية أراد أن يقدم أوراق اعتماده للأقلية لعلهم يتنافسون على كسب رضاها للترشح لرئاسة الحكومة، خصوصاً أن من بينهم عددا من المغمورين الذين يتطلعون لخلافة الرئيس نجيب ميقاتي لتولي تشكيل آخر حكومات «العهد القوي»، في حال كانت الطريق سالكة لإنهاء خدمات حكومة تصريف الأعمال لمصلحة قيام حكومة كاملة الصلاحيات.

وربما يراهن بعض النواب السنة بعزوف ميقاتي ورؤساء الحكومات السابقين سعد الحريري وفؤاد السنيورة وتمام سلام عن خوض الانتخابات على أن الفرصة باتت متاحة أمامهم لملء الفراغ بتوليهم تشكيل الحكومة العتيدة مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وهذا ما يفسر إحجامهم عن الدخول في اشتباك سياسي مع الأقلية التي تحولت إلى أكثرية في جلسة إعادة تكوين البيت التشريعي.

كما أن النواب الذين يصنفون أنفسهم على خانة التغيير لم يكن بإمكانهم التفاهم في جلسة الانتخاب مع النواب المنتمين إلى المعارضة التقليدية ومعهم عدد لا بأس بهم من المستقلين بما يعيد التوازن إلى المعادلة السياسية، وأثبتوا في تعاطيهم مع أول استحقاق على جدول أعمال المجلس المنتخب أنهم لا يميزون بين الأقلية وبين الأكثريات المتناثرة وتعاطوا معها بنفس الطريقة، برغم أن المنتفضين على المنظومة الحاكمة والطبقة السياسية أوكلوا إليهم إعادة التوازن إلى الحياة السياسية بدءاً بالبرلمان وإنما ليس على الطريقة التي كانت الأكثرية التقليدية تتعاطى فيها مع الأقلية قبل انطلاق الانتفاضة الشعبية في 17 أكتوبر 2019.

وما ينطبق على القوى التغييرية ينسحب على العلاقة المأزومة بين حزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب»، وهذا ما يفسر قطع الطريق على انتخاب زياد حواط المقرب من «القوات» أميناً للسر في هيئة مكتب المجلس ضد منافسه ألان عون بعد أن امتنعت القوى التغييرية و«الكتائب» وعدد من المستقلين عن التصويت له.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن حواط حظي بتأييد نواب «القوات» و«اللقاء الديمقراطي» وكتلة أشرف ريفي وعدد من المستقلين وأن رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل امتنع عن التصويت له، بحسب المصادر القواتية، وأنه تواصل مع عضو «اللقاء الديمقراطي» وائل أبو فاعور طالباً منه تأييد الكتائبي إلياس حنكش بذريعة أنه الأوفر حظاً بدلاً من حواط وأن النواب التغييريين سيقترعون له، لكن أبو فاعور أكد التزام «اللقاء» بتأييد حواط.

وتؤكد المصادر نفسها أن القوى التغييرية أخرجت نفسها من تأمين التوازن داخل الجلسة وكان في مقدورها التنسيق مع القوى الأخرى في المعارضة، خصوصاً أن نقاط التفاهم بين هذه القوى مجتمعة تبقى أكثر من نقاط الاختلاف، وهذا يستدعي من الجميع تقديم التسهيلات المطلوبة لإعادة الانتظام للمؤسسات الدستورية كأساس لمنع محور الممانعة بقيادة «حزب الله» من السيطرة على الدولة وإمساكه بمفاصلها الرئيسية.

وعليه، تأخذ الأكثريات ومعها القوى التغييرية العبر للتعويض عن التقصير في أولى جلسات البرلمان والذهاب بموقف موحد إلى الجلسة المقبلة المخصصة لانتخاب أعضاء اللجان النيابية، كي لا تبقى مشلولة بقرار منها، ما يتيح للأقلية «الحديدية» إكمال سيطرتها على المجلس النيابي مستفيدة من تشرذم الأكثرية الافتراضية الذي يدفع باتجاه تعطيل دورها في مواجهة محور الممانعة الذي وضع خلافاته جانبا وسلم أمره لـ«حزب الله» الذي تصرف على أنه «المايسترو» بغياب الدور الضاغط للنواب السنة مع انصراف بعضهم إلى ترتيب أوضاعه، ظناً منه بأن الفرصة مواتية لتولي رئاسة الحكومة.