لا يزال قانون الإيجار الجديد الذي صدر منذ سنة وسبعة أشهر يتفاعل لدى المستأجرين والمالكين على حدّ سواء. وقد امتدّ السجال الذي أحدثه هذا القانون الى صفوف المحامين وانبرى منهم مَن انتقد هذا القانون بشراسة، متسلّحاً بالحجج القانونية والأدلّة الدامغة التي من شأنها أن تقتلع هذا القانون من أساسه حسب رأيه، ونبّه المستأجر الى كيفية التعامل مع هذا القانون منعاً للتفريط بحقوقه وحقوق المالك على السواء.
لإصدار مجلس النواب قانونَ إيجار جديداً وفقاً للأصول الدستورية والقانونية الصحيحةيمكن إبطال كل الأحكام الصادرة استناداً لقانون الإيجار الجديد أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييزشرح الخبير القانوني المحامي رشيد قباني الذي واكب قانون الإيجارات الجديد منذ إصداره، لـ»الجمهورية»، الأسباب القانونية التي دفعت بعض المحامين الى المطالبة باعتبار القانون مبطلاً حكماً وكأنه لم يكن، معلّلاً ومفنّداً حيثياته وآثاره وموانع تطبيقه وشارحاً الثغرات التي تشوبه.
• لقد صدر لك كتاب بعنوان «قنبلة قانونية» تنسف قانون الإيجار من النفاذ الى عدم التطبيق والمقدمة بقلم نقيب المحامين سابقاً عصام كرم بعنوان: «ثورة رشيد قباني»، فهل لك أن تطلعنا على محتويات هذا الكتاب؟
– بدايةً أودّ أن أوضح لكِ بأنّ هذا الكتاب هو فعلاً قنبلة قانونية تقضي على قانون الإيجار نهائياً أمام القضاء بحيث إذا عرضت عليه دعوى تستند الى هذا القانون، ستردّ شكلاً بشرط أن يعرف المستأجر كيف يدلي بدفوع عدم قبول الدعوى ليضع القاضي أمام الحجج الدامغة القاطعة التي تلزمه برفع يده عن الدعوى وردّها شكلاً. إذ ليس المهم أن تكون صاحب حقّ بل من الأهم أن تعرف كيف تدافع عن حقك.
أعود الى محتويات هذا الكتاب المتضمّن ثورة قانونية تتصدّى لمرحلتين مع مشروع أسس قانون إيجار جديد:
الأولى: مرحلة إصدار القانون بتاريخ 8/5/2014 وهي المرحلة التي كانت بمواجهة مجلس النواب الذي شرّع هذا القانون، وأصدرتُ دراستي بعنوان: «خارطة الطريق لتدمير لبنان رُسمت بقانون الإيجار الجديد» لأنّ هذا القانون فعلاً سيؤدّي الى تدمير لبنان اجتماعياً، وأثبتُ ذلك من خلال تحليل مواد هذا القانون وكشفتُ الأهداف التي ستتحقق من جراء تطبيق هذا القانون:
– طرد المستأجر من مأجوره دون تعويض وتهجيره الى مناطق وفقاً لإنتمائه الطائفي أو المذهبي، وهذا فرزٌ طائفي ومذهبي سيؤدّي الى تفكيك وحدة النسيج الاجتماعي في المدن ويقوّي مخاطر الكونتونات الطائفية.
– طرد الطبقتين الفقيرة والمتوسطة من المدن.
– إستيلاء أخطبوط العقارات على الأبنية القديمة بشراء ما تبقى منها ولو بإغراء المالك القديم غير الميسور بصورة عامة.
– مصادرة ملكية المالك القديم تسع سنوات إضافية وحرمانه من الإفادة الفورية من كامل بدل الإيجار الجديد.
– تحميل المالك بدل التعويض للمستأجر.
هذا القانون أيْ قانون 8/5/2014 غير موجود ولا يُعمل به حالياً لنشره قبل إنتهاء مهلة إصداره وهذا ما أكده المجلس الدستوري.
الثانية: وهي مرحلة التصدّي أمام القضاء لقانون الإيجار الثاني الذي صدر بتاريخ 9/5/2014 بمواد واهداف القانون السابق نفسها.
• هل يعني ذلك أنّ قانون الإيجار الجديد ضدّ المالك والمستأجر؟
نعم إنّ هذا القانون ضدّهما والأخطر من ذلك أنه مؤامرة ضدّ الوطن وُضِعَ بكلِّ خبث ودهاء وانتقام وتداعياته أخطر على الوطن والمواطن من الحرب الأهلية التي ما زالت آثارها لغاية اليوم.
• كيف يمكن التصدّي لأهداف ونتائج هذا القانون؟
طالما أنّ هذا القانون سيؤدّي الى اقتلاع حوالى مليون مستأجر من بيئتهم الاجتماعية، هدفتُ من دراستي تحت عنوان: «قنبلة قانونية تنسف قانون الإيجار من النفاذ الى عدم التطبيق» الى اقتلاع هذا القانون من أساسه بأدلّة قاطعة دامغة لا يستطيع القضاء العادل أن يتجاهلها. أدلّة تستند الى نصوص قانونية تثبت من جهة بطلان إجراءات نشر قانون الإيجار لمخالفتها للأصول، حيث تمّ طلب نشره شفهياً وممّن ليست له صفة، ومخالفتها للدستور حيث تخلّى مجلس الوزراء عن سلطته في طلب نشره فلم يصدر مرسوماً بطلب نشره. كما وتؤكّد من جهة ثانية أنّ نشر هذا القانون باطل حيث تمّ خارج مهلة النشر الملزِمة والمنصوص عنها بالقانون رقم 646 الصادر بتاريخ 2/6/1997 والتي توجب نشره خلال مهلة أقصاها 15 يوماً من تاريخ إصداره في 9/5/2014 في حين أنه نُشر بتاريخ 26/6/2014 أيْ بعد 48 يوماً من تاريخ إصداره. هذه الأدلّة تؤكد على أنّ هذا القانون غير موجود بالمفهوم القانوني لأنّ نشره باطلٌ فيكون غيرَ معلن للجميع وبالتالي فهو مجهول وغير معلوم من الناس كافة فلا يكون ملزِماً لهم، قضاة ومتقاضين، وبالنتيجة غير قابل للتطبيق أمام القضاء.
• كيف ذلك وقد صدرت بعض الأحكام التي أجبرت المستأجر على ترك مأجوره؟
جاءت هذه الأحكام نتيجة خطأ طرفين، الأوّل هو القاضي الذي تجاهل نصوص القوانين التي أشرتُ اليها بدراستي وأصدر الحكم مستنداً الى القانون الصادر بتاريخ 8/5/2014 أو الى القانون تاريخ 9/5/2014 وكلاهما غير موجود وغير ملزم. والثاني هو المستأجر الذي لم يُثر أمام القاضي هذه الأدلّة فغُيّبت هذه الأدلة ووقعت كارثة هذه الأحكام، ولكن يمكن درء نتائج هذه الكارثة بإبطال هذه الأحكام وكذلك جميع الأحكام التي تصدر استناداً لقانون الإيجار الجديد أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز.
• بعد صدور كتابك الذي أوضح كلّ هذه الحيثيات وانتشاره بين القضاة والمحامين، هل سيستمرّ إصدار مثل هذه الأحكام ويُضطر المستأجر لإبطالها فيما بعد؟
أودّ أن أشير الى رأي هيئة الاستشارات والتشريع في وزراة العدل والتي سبق وأعلنت موقفاً من هذا القانون، فرأت أنه لا يمكن تطبيق بعض مواده ويمكن تطبيق بقية المواد، إلّا أنها فيما يتعلّق بما أدليتُ في كتابي من أدلّة تلزم القضاء ردّ الدعوى شكلاً، تجاهلت الهيئة الجواب مباشرة، (علماً أنه لا يعود لأيّ مرجع توجيه إلزامات للمحاكم في عملها) وكأنها تقول بصورة غير مباشرة أنّ ما أدليتُ به صحيح ولكنها لا تستطيع أن تلزم القضاء به.
وأنا أتوقع بعد ما أوضحته في كتابي، أن يتغيّر مسارُ القضاء فلا يطبق القاضي قانونَ الإيجار الجديد ويردّ الدعاوى، التي تستند إليه، شكلاً لحين صدور قانون إيجار آخر جديد وفقاً للأصول وعادل يراعي الوضع المالي للمستأجر وللدولة.
• إذا كان قانون الإيجار الجديد غير عادل للمستأجر والمالك وخطيراً على البنية الاجتماعية للوطن، ما هو الحلّ؟
الحلّ قد طرحته بمشروعي، فوضعت أسس مشروع قانون إيجار جديد ملخصه أن يعطى المالك كاملَ حقه في استرداد ملكه فوراً ولأبعد حدّ خلال خمس سنوات من دون أن يدفع أيّ تعويض للمستأجر مع رفع بدل الإيجار ثلاثة أضعاف الإيجار الحالي لمرة واحدة ضمن مدّة الخمس سنوات ويعطى المستأجر تعويض إخلاء يعادل 50% من قيمة مأجوره تدفعه الدولة اللبنانية بموجب سندات خزينة قابلة للتداول تسدّدها للمصارف بعد عشر سنوات، فخلال هذه المدّة لا تتحمّل الدولة أية أعباء مالية وتفرض رسوماً وضرائب لا تؤثر على الطبقتين الفقيرة والمتوسطة. ومع استخراج الغاز والبترول تسدّد هذه السندات عند استحقاقها بعد عشر سنوات وتعتبر هذه السندات جزءاً من قرض سكني لشراء المستأجر شقة في منطقته أو شراء مأجوره الحالي أو أن يقبض قيمة هذه السندات من المصرف نقداً إذا أراد أن يبني له مسكناً على أرضه وفي قريته. وبذلك تنتفي كلّ أهداف قانون الإيجار الحالي الهدامة وتتحقق مصلحة المالك والمستأجر ولا يتأثر الوضع المالي للدولة.
• ما السبيل لتحقيق ذلك؟
من خلال إصدار مجلس النواب قانونَ إيجار جديداَ وفقاً للأصول الدستورية والقانونية الصحيحة بتصديقه من مجلس النواب وإصداره ونشره، يستند الى الأسس التي ذكرتها وإلغاء القانون الصادر بتاريخ 9/5/2014 وكلّ الآثار التي ترتبت عليه من أحكام واتفاقات بين المالك والمستأجر مع تمديد قانون الإيجار رقم 160/92 لتغطية المرحلة بعد إنتهاء مفعول هذا القانون.