الحركة الديبلوماسية الناشطة التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بدأت تُعيد الثقة إلى الحِراك العربي المطلوب، لمواجهة الأخطار الإقليمية والإرهابية التي تُحيق بدول المنطقة، ووصل دخانها الأسود إلى الخليج العربي، بعد استيلاء الحوثيين على السلطة في صنعاء.
وجود الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الرياض، في نفس الفترة التي يزورها الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، كان يُعتبر حتى الأمس القريب مشهداً سوريالياً، لا يمتّ إلى الواقع بشيء.
ولكن الرؤية الجديدة للقيادة السعودية تحاول أن تجعل من المستحيل بالأمس، أمراً ممكناً اليوم، لأن حجم الأخطار يكبر يوماً بعد يوم، وتداخل التحديات والضغوطات تزداد تعقيداً ساعة بعد أخرى، وبالتالي كان لا بد من تسريع الخطى نحو استراتيجية جديدة، تكون قادرة على مواجهة التطورات الدراماتيكية في الإقليم، والحدّ من الاندفاعة الإيرانية التي حققت إختراقات في أكثر من دولة عربية.
التباعد العربي – التركي الذي برزت خطوطه من خلال تباين المواقف من حركة «الإخوان المسلمين»، لم يكن لمصلحة الطرفين العربي والتركي، اللذين انتقلا، بسبب تداعيات هذا التباعد، من مواقع الهجوم إلى خطوط الدفاع في السنتين الماضيتين، مما أفسح المجال واسعاً لتمدّد النفوذ الإيراني في أربع دول عربية، في الوقت الذي توسّعت فيه مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، وتجاوز «دولة الخلافة» للتقسيمات الحدودية بين البلدين!
* * *
يبدو واضحاً أن الاستراتيجية السعودية تركّز على الأهداف المركزية، وتحاول تجاوز الملفات الخلافية الثانوية، على اعتبار أن الوقت لم يعد يسمح بمزيد من النقاشات والخلافات حول تلك الملفات، وأن الأولوية المطلقة، هي لمواجهة الأطماع الإيرانية المتزايدة، والحدّ من الخطر الإرهابي الذي يهدّد أمن واستقرار المنطقة، ومن خلالها العالم كله.
الحماس التركي الدائم في تبنّي ودعم «الإخوان» كان في مقدمة الملفات الخلافية بين أنقرة من جهة، وكلٍ من الرياض والقاهرة من جهة ثانية، خاصة بعد الموقف العدائي الذي اتخذته حكومة أردوغان من ثورة 30 حزيران التي أنهت حكم الإخوان في مصر، وأعادت الجيش إلى السلطة، عبر انتخاب السيسي رئيساً للجمهورية.
من شبه المؤكّد أن الرئيسين المصري والتركي لم يلتقيان في الرياض، ولكن محادثات الملك سلمان بن عبد العزيز مع كلٍ منهما، ركّزت على ضرورة التعاون السياسي والأمني والإقتصادي بين الرياض والقاهرة وأنقرة، وصولاً إلى تشكيل مظلة تحمي الدول الثلاث، ومعها بلدان المنطقة، من رياح عواصف الحروب والفتن التي تعصف بالإقليم حالياً.
القمّة السعودية – التركية أنتجت مجموعة تفاهمات على مستوى القيادتين، من شأنها أن ترمّم، وبسرعة، العلاقات السياسية والأمنية والإقتصادية بين البلدين، تمهيداً لإعادة حرارة التعاون والتنسيق بين العاصمتين إلى ما كانت عليه قبل سنتين.
أما القمّة السعودية – المصرية فقد انتهت إلى تأكيد استمرار الدعم السعودي غير المحدود لمصر، وذلك بالتعاون والتنسيق مع دول مجلس التعاون، وهو الأمر الذي ستظهر نتائجه في المؤتمر الإقتصادي الذي سيُعقد في شرم الشيخ لدعم الاقتصاد المصري، فضلاً عن قرارات القمة العربية التي ستُعقد في شرح الشيخ أواخر الشهر الحالي.
* * *
الرياض تحوّلت إذاً، وخلال أسابيع قليلة، إثر تسلم الملك سلمان دفة القيادة، إلى محور استقطاب للحركة السياسية الإقليمية والدولية، بعد توافد رؤساء الدول، والمبعوثين الدوليين إليها.
ولكن الإنفتاح السعودي على تركيا من جديد، أثار الكثير من التكهنات، حول تطوّر العلاقة بين المملكة وحركة «الإخوان المسلمين» لدرجة أن أصداء تلك التكهنات وصلت إلى القاهرة، التي ما زالت تخوض معركة الأمن والاستقرار، ضد هذا التنظيم.
وذهبت بعض التكهنات إلى ما هو أبعد من إشكالية العلاقة بين الرياض وأنقرة، وطرح التساؤل الذي يردّده البعض. بين الفترة والأخرى:
هل المواجهة مع الإخوان قدر محتوم ولا مفرّ منه..؟ أم أن متطلبات المعركة ضد الإرهاب والتمدّد الإيراني يجب أن تحظى بالأولوية المطلقة؟
ويعترف أصحاب هذا التساؤل بأن قيادات الإخوان ارتكبت أخطاء بارزة في أكثر من بلد عربي، وكانت التجربة الإخوانية في مصر وبالاً على التنظيم قبل أن تكون مأساة بالنسبة للدولة المصرية، والأخطاء المتكررة في سوريا وليبيا واليمن ساهمت في الأحداث المؤلمة التي تشهدها تلك البلدان منذ فترة، الأمر الذي يتطلّب من القيادات الإخوانية ممارسة أقسى درجات النقد الذاتي، والتوصّل إلى طروحات جديدة تساهم في بلسمة الجراح مع العديد من الدول العربية: أنظمة وشعوباً، لعل ذلك يساعد على فتح صفحة جديدة تكون نتائجها لمصلحة كل الأطراف المعنية.
الرياض – القاهرة – أنقرة مثلث قادر على درء الأخطار المحيطة بالإقليم، ولكن انطلاقته القوية تحتاج إلى جهود مصرية وتركية أيضاً، لمعالجة إشكالية ومشاكل العلاقة مع «الإخوان»!
فهل تنجح الرياض في تجاوز هذا التحدي؟