IMLebanon

الرجل المريض الجديد

لا يستطيع أحد التعامي عن المشروع الفارسي الذي يتسلل تحت جنح “الربيع العربي” ليهيمن على المنطقة، مجاهراً بزعم السيطرة على 4 عواصم عربية، فيما لا تتبدى ملامح أي استراتيجية عربية مشتركة وشاملة تتصدى له.

وبرغم وضوح عدوانية طهران، الديبلوماسية والدموية، لا تزال قيادات عربية تمارس ترف الاختلاف والعتب. فهذه مصر، “الشقيقة الكبرى” لا تساهم بقوات برية في التحالف العربي لانقاذ اليمن، وتروج اوساط الحكم فيها انها تعتب على الرياض لأن مصر لم تعامل معاملة الشريك من جانب قيادة “عاصفة الحزم”، ثم “الأمل”، بل معاملة الملحق أو التابع، فيما الالتباس يغشى موقف قطر، ومنه مسارعة وزير خارجيتها السابق الى تأييد ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة اللبنانية، رغم علمه بعدم ترحيب الرياض بذلك، وكأن لا علاقة لما يجري في لبنان وأزمته السياسية بمشروع الهيمنة الايرانية.

ليس غياب الاستراتيجية العربية جديداً، فجذوره تمتد الى زمن اسقاط الدولة العربية الواحدة والشريف حسين، وما تلاه من انقسام بين تمجيد الرابطة الدينية الاسلامية وتأييد العروة القومية العربية، التي سعت اليها وحملت رايتها، أساسا، الاقليات الدينية في المنطقة العربية، ثم ساهمت في اغتيالها لمصلحة كيانات سايكس – بيكو.

الواقع ان القومية العربية أجهضت على يدي الطرفين من جهة، ولفراغها من اي مضمون عملي من جهة أخرى. ولم تكن الرابطة الاسلامية أوفر حظا، والمؤشر الى ذلك ضعف المشاركة غير العربية في حرب اليمن الجديدة، وحتى غيابها.

تغيب الاستراتيجية العربية المشتركة والشاملة لتحل ردود فعل مبتسرة، وموضعية، فيما الخصم الايراني يملك مشروعاً متعدد الهدف يكرس له كل الامكانات، سلاحاً وعلاقات دولية وإعلاماً، في كل بلد يستطيع ان يتغلغل في بنيته السياسية والاجتماعية، باستخدام عاملي الدين والمال.

من صور ذلك ما يشهده الحيز الاعلامي، بكل فروعه، في لبنان وشح الامكانات الذي تعاني منه الوسائل المعارضة لـ “الطموح” الايراني، فيما المؤيدة له تتزايد ويتزايد معها “إنبات” ما يدعى مراكز أبحات ودراسات، تبرر لهذا أو ذاك ان يعرض، عبر الاعلام، وجهة نظر ايران في الشؤون الاقليمية، ما يشي بالسعي الى قولبة الرأي العام، إن لم يكن بالاقناع، فبالتكرار.

لكن غياب الاستراتيجية الشاملة والموحدة لم يولد اليوم، ففضيحته كانت سنة 2003 حين احتل الاميركيون العراق، وقبل ذلك حين تنكرت “دول مجلس التعاون” لتصديه، أي العراق، لتهديدات ايران الخمينية، وانكرت مساهمتها في تمويل قتاله، ليحمي انظمتها وكياناتها، ولم تتساءل عما بعد ذلك.

الأزمة اليوم ليست في مواجهة استراتيجية طهران، وحدها، بل في مواجهة الثنائي المكمل لنهمها، اسرائيل وتركيا. فالثلاث بقدر ما تتناقض تستعد لتقاسم جثة رجل الشرق المريض الجديد. و”النهم” الثلاثي لن يميز دولة عربية عن أختها.