يتداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي مقالة كتبها الصحافي القدير المرحوم ميشال ابو جوده في 12 ايلول 1974 يزعم من خلالها أنّ المنطقة العربية مقبلة على مرحلة جديدة ستؤدّي الى تغيير كامل لخريطة منطقتنا، واصفاً فيها للحروب الشرسة التي ستعرفها والدماء التي ستسيل من اجل أن تذهب المنطقة الى «موت عالم قديم، ولكنه موت بلا ميلاد»… وكأنّ نابشي المقالة من الأرشيف يؤكدون أنّ المنطقة تمرّ اليوم بتلك المرحلة نفسها.
وفي هذا التوصيف الكثير من الواقعية التي نعيشها يومياً إن لشراسة القتال أو للدماء التي تسيل أو لناحية القصص التي نراها يومياً على وسائل الاعلام المختلفة والبعيدة من عادتنا وتقاليدنا، وإن لناحية إعادة تقسيم المنطقة أو بالأحرى إعادة توزيع النفوذ فيها في ما بين الدول الإقليمية والعظمى، إضافة الى تحديد دور كلّ بلد وهوامش التحرّك التي سيتمكّن أن يلعب من ضمنها…
ويبدو أننا قد دخلنا فعلياً هذه المرحلة أو نحن واقفون على بابها، إذ إنّ الاتفاق على خواتيمها قد وُضع على نار حامية، مع ما قد ينتج عنه من اهتزازات مفاجئة واعادة رسم لتفاهمات غير عادية واشتداد المعارك على اكثر من جبهة… توصّلاً الى حلول غريبة.
ولمَن يهمّه الامر من المسؤولين، فإنّ وطننا لبنان لن يكون بعيداً من نتائجها أو عمّا سيلده هذا المخاض الكريه، أقول مسؤولين واضعاً يدي على قلبي إذ إنهم غائبون في قضاياهم الصغيرة وحرتقاتهم اليومية ومماحكاتهم الممجوجة… ولعلّه من الافضل أن اتوجّه الى المواطنين المساكين وأقول لهم إنّنا اذا كنا سنواجه أعاصير السيناريو المقبل الينا بهكذا حكومة «فأبشر بطول سلامة يا مربع»… حكومة غارقة في فضائح واخبار ودردشات تمنعنا من معرفة الحقيقة لنحاسب المقصّرين والمرتشين والفاسدين فيها.
حكومة ينشر وزراؤها غسيلهم على الشرفات قبل أن يصيحَ الديك، ويقولون في بعضهم البعض ما لم يقله «مالك في الخمر» ولكنّ أمورَهم ومصالحَهم ماشية… حكومة يقف فيها وزير الوزراء موبِّخاً زملاءَه من على شاشة التلفزيون من دون أن يجد مَن يردّ عليه… حكومة لا نعرف مَن يديرها ولا كيف تتّخذ قراراتها أو بالأحرى أين تتّخذ قراراتها… وبالطبع حكومة لا تخاف محاسبة من مجلس نيابي معظم أعضائه يجيدون التصاريح لا التشريع، والدليل على ذلك إصدارهم إمّا قوانين ناقصة أو مجحفة أو لا يمكن تطبيقها… اضافة الى انشغالهم المستجدّ في معارك داخل أحزابهم وتياراتهم وكتلهم لكي يضمنوا الترشّح من جديد لسنوات عديدة.
يا أيها الشعب المسكين… المنطقة تغلي والخرائط الجديدة قاب قوسين أو أدنى من الانتهاء من رسمها مؤشراً اليها بالنفوذ المتجدّد أو الحديث…
والمسؤولون عندنا كأنهم يعيشون في منطقة أخرى… فلا خطة ولا معرفة ولا تحضيراً، ولا مَن يصارحنا أو يقول لنا الى أين نحن متوجهون.. كل ما نراه فقاعات إعلامية ومواقف صوتية لا تغني ولا تسمّن… أما اتّكالنا فيجب أن يكون على الله عز وجل، لكي يمرّ الإعصار بقربنا، وتحييد لبنان من قبل الدول لكي لا ينفجر صاعقه ويؤدي الى تعطيل التسوية وكل ما عدا ذلك لهو مضيعة للوقت… رحم الله ميشال ابو جوده الذي ختم مقاله بما يلي: «اللهم لا أسألك ردّ القضاء ولكن اللطف فيه. يا رب ألهمهم أن يُحسنوا القتل ويُتقنوا الخطف لتقل آلامنا. وهلّلوا مبارك المجد الآتي باسم الحلّ».