Site icon IMLebanon

العهد الجديد بحاجة إلى رافعة قوية تُحدث صدمة إيجابية وتؤسس لإنطلاقة قوية

كلام نصر الله بأن قبوله للحريري في رئاسة الحكومة «تضحية من الحزب» هو اعتراف ضمني بموقعه ومكانته السياسية

العهد الجديد بحاجة إلى رافعة قوية تُحدث صدمة إيجابية وتؤسس لإنطلاقة قوية

أمامنا اليوم مسألة الإستحقاق الرئاسي ودور الرئيس الحريري في عملية انتخاب الرئيس، وقد ظهر جلياً الجهد الدؤوب والدور الإيجابي المؤثّر له طوال مرحلة الفراغ الرئاسي المتواصلة

لا شك أن ما قاله الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله بأن قبوله بتولي زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري في منصب رئاسة الحكومة المقبلة في عهد رئيس الجمهورية المقبل والمتوقع أن يكون النائب ميشال عون، يعتبر «تضحية كبيرة من الحزب»، إنما يسعى من خلاله لإعطاء إنطباع للرأي العام ولجمهوره تحديداً بأنه قدّم تنازلاً تجاه خصمه السياسي ولولا هذا التنازل لما يمكن تحقيق ذلك، في حين أن أقل ما يقال في موقفه هذا أنه اعتراف واضح وصريح بموقع ومكانة الرئيس الحريري في التركيبة السياسية الداخلية وحتى العربية والإقليمية على حدٍّ سواء، والتي لم تنفع كل محاولات التهميش والإقصاء والاستهداف التي مارسها الحزب وبعض حلفائه طوال السنوات العشر الماضية واستعمل خلالها شتى وسائل الترهيب والتفرقة والتحريض المنظم لإضعاف زعامته الشعبية إن كان على مستوى أهل السنّة خصوصاً أو على صعيد الوطن ككل.

فالوقائع والتجارب التي حدت بالأمين العام لحزب الله لتبنّي مثل هذا الموقف في المرحلة الحالية كثيرة، وكان أولها عندما انقلب نصر الله بالاتفاق مع رئيس النظام السوري بشار الأسد على حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الرئيس سعد الحريري خلافاً للتعهدات والوعود التي قطعها من قبل ونصّب رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي على رأس حكومة بديلة سمّيت عن حق بحكومة «حزب الله» وذلك بهدف تكريس زعامة سنّية رديفة أو بديلة عن زعامة الرئيس الحريري، كي تتولى مقاليد السلطة وتكون أداة طيّعة وجسر عبور لخطط وأهداف النظام السوري و«حزب الله» على حدٍّ سواء. ولكن مع مرور الوقت أثبتت هذه التجربة التي رعاها الحزب بقوة السلاح فشلها الذريع ولم تستطع حكومة ميقاتي طوال توليها مهامها السلطوية حيازة ثقة النّاس من حولها أو حتى تثبيت وجودها وتنفيذ بالحد الأدنى من مطالب وحاجات المواطنين الملحّة والمعيشية وتدهور الوضع الأمني في أكثر من منطقة وخصوصاً في طرابلس واضطرت للإستقالة بسبب ضعف أداء رئيسها وعدم قدرته على ترسيخ زعامته السنّية واستقطاب النّاس من حوله كما هو مرسوم له، وتراجع مؤشرات الوضع الاقتصادي والمالي عمّا كان عليه في عهد حكومة الوحدة الوطنية أو ما قبلها.

اما التجربة الثانية فهي استحالة قيام أي حكومة في البلد بمعزل عن مشاركة فعّالة ورعاية من الرئيس الحريري وتياره، وهذا ما حصل لدى تشكيل الحكومة الحالية برئاسة تمام سلام عندما رفض الحزب لأشهر طويلة هذه الصيغة، اضطر في النهاية للموافقة على الحكومة بتشكيلتها الحالية وهي ما تزال تقوم بممارسة مهماتها حتى اليوم.

وامامنا اليوم مسألة الاستحقاق الرئاسي ودور وتأثير الرئيس الحريري في عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وقد ظهر جلياً للرأي العام الجهد الدؤوب والدور الإيجابي الموثر له طوال مرحلة الفراغ الرئاسي المتواصلة منذ ما يقارب العامين ونصف وما طرحه من مبادرات وتنازلات في سبيل انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت ممكن، الأمر الذي يدل بوضوح على مكانة وموقع الرئيس الحريري وتأثيره في تخريج عملية الاستحقاق ككل من دائرة التعطيل والجهود التي فرضها الحزب طوال المرحلة الماضية.

الأهم من كل ما تقدّم أن ما قاله الأمين العام لحزب الله بأن قبول الحزب برئاسة الحكومة للحريري يعتبر «تضحية كبيرة» يقابله في الوقت نفسه أن قبول الحريري بمشاركة الحزب في الحكومة يُشكّل أيضاً مخاطرة تواجه الحكومة الأولى في العهد الجديد وفي علاقاتها مع الدول العربية والأجنبية التي تعتبر الحزب منظمة إرهابية وهو ما يعرض عملها ومهاتها لتفاعلات وتداعيات هذا التعاطي السلبي الذي يتطلب جهداً كبيراً واستثنائياً من رئيس الحكومة المقبل للتخفيف من آثاره وضرره على لبنان كلّه.

وفي الخلاصة فإن تولي الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة الأولى في العهد الجديد، لا يمكن ان يكون بتضحية من الحزب كما قال نصر الله أو بمنِّة منه كما يحاول تصويره للرأي العام، لأن الحريري يرأس أكبر كتلة نيابية في لبنان ولأن كل التجارب التي اعتمدها نصر الله لتفريخ أو تكريس زعامات سنيّة بديلة فشلت وأخيراً لأن العهد الجديد بحاجة إلى رافعة قوية تُحدث صدمة إيجابية وتؤسس لإنطلاقة فاعلة في مختلف المجالات ومشاركة الرئيس الحريري ووجوده أكثر من ضروري.